للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصورية، والآلات الظاهرة أَوْ لا، فإن النَّاسَ مشتركون فيما يجري على ظواهرهم من أنواع الابتلاء، مفترقون فيما يَرِدُ على بواطنهم من أصناف النعماء، والله تعالى أرسلَ الأنبياء عليهم السلام إلى الناس الغافلين، ليفتحوا عيونَ بَوَاطِنَهم من نوم الغفلة، وَيدْعُوهم إلى الله تعالى ووصاله، ولقاءِ جماله، فمَنْ كان له منهم استعداد لهذا الانفتاح .. رضي بالتربيةِ والإرشاد، وقام في طريق الحق بالسعي والاجتهاد، ومَنْ لم يكن له منهم ذلك .. أبي واستكبر عن أخذ التلقين، وامتنع عن الوصول إلى حد اليقين، فبقي في الظلمات كالأعمى لا يَدْري أيْنَ يذهب، فيا أيها الأخوانُ ارجِعوا إلى رَبّكم مع القوافل الروحانية، فمِن قريب ينقطع الطريقُ، ولا يُوجد الرفيق.

٩٤ - ثُمَّ ذَكَرَ أنَّهُ كانَ صادقًا في وعيده لهم فَحَلَّ بهم سوء العذاب فقال: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} الذي قَدّرناه في الأزل من العذاب، والهلاك لقوم شعيب، فالأمرُ: واحد الأمور {نَجَّيْنَا} رسولنا {شُعَيْبًا} قدم تنجيتَه إيذانًا بسبق الرحمة التي هي مقتضى الربوبية على الغضب الذي يظهر أثره بموجب الجرائم، {و} نجينا {الذين آمنوا معه}، واتبعوا شعيبًا في الإيمان, وآمنوا كما آمنَ هو، فصدقوه على ما جاءهم به من عند ربهم، {بِرَحْمَةٍ} أزلية صَدَرَتْ {مِنَّا} في حقهم، ومجرد فضل خاصٍّ بهم لا بسبب أعمالهم كما هو مَذْهَبُ أهل السنة. وقال بعضهم: هي الإيمان الذي وفقناهم له، يقول الفقيرُ (١): وجه هذا القول أنَّ العذابَ والهلاكَ الذي هو من باب العدل قد أضيف إلى الكفر والظلم، فاقتضى أن يضافَ الخلاصُ والنجاة الذي هو من باب الفضل إلى الإيمان, ولمَّا كانَ الإيمانُ والعمل الصالح أمرًا موقوفًا على التوفيق .. كان مجردَ فضل ورحمة فافهم.

فائدة: قال الزمخشري (٢): فإن قلت: ما الحكمة في قوله: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} بالواو في قصتي عاد ومدين، وقوله: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} بالفاء في قصتي لوط وثمود؟


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.