للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يا محمَّد في الجواب: {إِنِ افْتَرَيْتُهُ}؛ أي: أنِ افتريت خبرَ قوم نوحٍ، أو افتريتُ هذا القرآنَ على الله من عند نفسي كما تزعمون {فـ} ـما عليكم بأس، ولا ضَرَرَ في ذلك إنما {علي إجرامي}؛ أي: إنما عليَّ لا على غيري، ولا عليكم عقوبة إجرامي وذنبي {و} أنتم بريئون من إجرامي كما {أنا بريء مما تجرمون}؛ أي: من عقوبة إجرامكم، وذنبكم، فحكم الله العدل: أن يجزى كل امرئ بعمله، كما قال: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} والإجرامُ والجرم اكتساب الذنب كما سيأتي في مبحث الصرف، وفي الآية حذف، والتقدير إن كنت افتريته فعليَّ عقاب جرمي، وإن كنتُ صَادِقًا وكذبتموني فعليكم عقابُ ذلك التكذيب، إلَّا أنه حذِفَت هذه البقية لدلالة الكَلام عليهَا.

فعلى هذا التفسير تكون هذه الآيةُ (١): دَخيلة في أثناء قصة نوح ومعترضة بين أجزائها؛ لأجل تنشيط السامع لسماع بقية القصة، وأكثر المفسرين على أن هذه الآية من جملة قصة نوح، كما هو ظاهرُ السِّياق والمعنى عليه {أَمْ يَقُولُونَ}؛ أي (٢): بل أيقول قوم نوح {افْتَرَاهُ}؛ أي: إن نوحًا افترى بما أتانا به من عند نفسه مسندًا إلى الله تعالى {قُلْ} لهم يا نوح {إِنِ افْتَرَيْتُهُ}؛ أي: إن اختلقت الوحيَ الذي بلغته إليكم من تلقاء نفسي .. {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي}؛ أي: فعليَّ عقاب اكتسابي للذنب، وإن كنتُ صادقًا، وكذبتموني .. فعليكم عقاب ذلك التكذيب {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ}؛ أي: من عقاب كسبكم الذنبَ بإسناد الافتراء إليَّ، وقرأ الجمهور {إجرامي} بكسر الهمزة، وهو مصدر أجرم، وهو الفاشي في الاستعمال، ويجوز (جرم) ثلاثيًّا، وقرىء شاذًا: (أجرامي) بفتح (الهمزة) جمع جرم كأقفال جمع قفل، اهـ "سمين".

٣٦ - {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ}؛ أي: أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نوح بعد أن استعجلَ قومه بالعذاب، ودعا عليهم دعوتَه التي حَكَاهَا الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}؛ أي: أَوْحَى الله تعالى إليه


(١) الفتوحات.
(٢) المراح.