البشر ومصالحهم، ونحن قد فصلناه على لسان هذا النبي الأمي، الذي لم يكن يعرف شيئا من تاريخ البشر في أطوار بداوتهم وأطوار حضارتهم قبل أن ننزلها عليه، فكان ذلك آية دالة على نبوته؛ إذ ما كان لمثله أن يعلمها إلا بالوحي من عندنا، ولولا الكتاب الكريم .. لما خرجت العرب من ظلمات الوثنية والجهالة إلى ذلك النور الذي صلحت به، وأصلحت أمما كثيرة بالدين والفنون والآداب، وما أحيت من علوم الأوائل.
ولكن وا أسفا قد أضحى المسلمون من أجهل الشعوب بسنن الله في الأكوان، وبالعلوم والمعارف اللازمة لتقدم الحضارة والمدنية، وأصبحوا في مؤخرة الأمم، وصاروا مضرب الأمثال في التأخر والخمول والكسل، وبذلك استكانوا وذلوا، وصاروا أفقر الأمم وأضعفهم وأقلهم خدمة لدينهم، وخالفوا ما رسمه لهم ذلك من أن لهم زينة الدنيا وطيباتها وسعادتها وملكها، وأن عليهم أن يشكروا الله على ما يؤتيهم من ذلك، وأن عليهم أن يقوموا بما يرضيه من اتباع الحق والعدل، وكل ما تقتضيه خلافتهم في الأرض.
ولقد بلغ الجهل بكثير من المسلمين أن ظن - وبعض الظن إثم - أن دين الإسلام هو سبب ضعف المسلمين وجهلهم ومسكنتهم، وذهاب ملكهم، واستعباد الكفار لهم حتى رغب الجهال منهم الدخول في المسيحية والشيوعية؛ لطول ما عليهم من الاستئمار، كما رأينا ذلك في بعض القبائل من الشعوب الآرومية في شرقي إفريقيا؛ لاستعباد الجيوش لهم بأخذ أراضيهم، وضرب الجزية عليهم استعبادا لا نظير له إلا استعباد فرعون لبني إسرائيل، ولكن كتاب الله وسنة رسوله وتاريخ هذه الأمة شاهد صدق على فساد هذه القضية، وتزييف تلك الدعوى فليس لها من دعائم تستند إليها وتقف بها على رجليها.
٣٣ - {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يتجردون من ثيابهم في الطواف، والذين يحرمون أكل الطيبات {إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ}؛ أي: الزنا {ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ}؛ أي: جهرها وسرها {وَالْإِثْمَ}؛ أي: شرب الخمر {وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}؛ أي: الظلم على الناس بغير الحق، فالقتل والقهر بالحق ليس بغيا {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ