للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا}؛ أي: وحرم أن تسووا بالله في العبادة معبودا ليس على ثبوته حجة، ولا يخفى ما فيه من التهكم بالمشركين (١) والكفار؛ لأنه لا يجوز أن ينزل حجة وبرهانا بأن يشرك به غيره؛ لأن الإقرار بشيء ليس على ثبوته حجة ولا برهان ممتنع، فلما امتنع حصول الحجة والبينة على صحة القول بالشرك .. وجب أن يكون باطلا على الإطلاق {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} بالإلحاد في صفاته، والافتراء عليه في التحريم والتحليل؛ أي: أن تقولوا على الله ما لا تعلمون حقيقته، وأن الله قاله، مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها.

فالجنايات محصورة في خمسة أنواع (٢):

أحدها: الجناية على الأنساب؛ وهي المرادة بالفواحش الظاهرة والباطنة، وقد تقدم تفسيرها في سورة الأنعام، وهي إحدى الوصايا التي ذكرت هناك، وقد تقدم تخصيصها بفاحشة الزنا، وإن كان الأولى التعميم.

وثانيها: الجناية على العقول؛ وهي المشار إليها بالإثم والإثم (٣) يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم والذم، وعطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص، والثلاثة بعده معطوفة عليه عطف خاص على عام؛ لمزيد الاعتناء بها، وقيل: هو الخمر خاصة ومنه قول الشاعر:

شربت الإثم حتّى ضلّ عقلي ... كذاك الإثم تذهب بالعقول

ومثله قول الآخر:

يشرب الإثم بالصّواع جهارا

وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصا بالخمر. قال النحاس: فأما أن يكون الإثم الخمر .. فلا يعرف ذلك، وحقيقته أنه جميع المعاصي كما قال الشاعر:


(١) المراح والمراغي والشوكاني.
(٢) الشوكاني.