في تلك الطرائق، بحساب منتظم، لو أهملناها لاختل توازنها، وسار كل كوكب في غير مداره، أو زل نجم عن سنن سيره، ففسد النظام العام، للعالم العلوي، والعالم الأرضي.
والخلاصة: أنا خلقنا السماوات، لمنافعهم، ولسنا غافلين عن مصالحهم، بل نفيض عليهم ما تقتضيه الحكمة، فخلقها قال على كمال قدرتنا، وتدبير أمرها، قال على كمال علمنا، وقال أكثر المفسرين: المراد بالخلق كلهم؛ أي: لسنا بغافلين عنهم، بل حفظنا السماوات عن أن تسقط، وحفظنا من في الأرض أن تسقط السماء عليهم، فتهلكهم، أو تميد بهم الأرض، أو يهلكون بسبب من الأسباب المستأصلة لهم، ويجوز أن يراد نفي الغفلة عن القيام بمصالحهم، وما يعيشون به، ونفي الغفلة عن خفظهم.
١٨ - {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ}؛ أي: من السحاب {مَاءً}؛ أي: مطرًا {بِقَدَرٍ}؛ أي: بقدر الحاجة لا هو بالكثير، فيفسد الأرض، ولا هو بالقليل، فلا يكفي الزرع، والثمار (١)، حتى إن الأرضين التي تحتاج إلى ماء كثير لزرعها، ولا تحتمل تربتها إنزال المطر عليها، يساق إليها الماء من بلاد أخرى، كما في أرض مصر، ويقال: لمثلها {الْأَرْضِ الْجُرُزِ} فيساق إليها ماء النيل، حاملًا معه الطين الأحمر، يجترفه من بلاد الحبشة، في زمن الأمطار، فيستقر فيها، ويكون سمادًا لها، ونافعًا لزرعها {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: فجعلنا ذلك الماء، النازل من السماء، ثابتًا قارًا في الأرض، فيتغذى به، فهما من الحب والنوى، ومنه تتكون الآبار والعيون، التي تمر على معادن مختلفة، فتتشكل، وتتصف بصفاتها، فيكون ماؤها حاويًا، إما للنشادر، وإما للكبريت، وإما للأملاح، وهكذا {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ}؛ أي: على إذهابه وإزالته بالإفساد، أو التصعيد أو التغوير {لَقَادِرُونَ} بحيث يتعذر استخراجه، حتى تهلكوا أنتم، ومواشيكم عطشًا، كما كنا قادرين على إنزاله، ولو شئنا أن لا يمطر السحاب لفعلنا, ولو شئنا لصرفناه عنكم إلى جهات أخرى، لا تستفيدون منه، كالأراضي السبخة، والصحارى، ولو شئنا لجعلناه إذا نزل في