للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم.

١٩ - ولمّا ذكر أنهم يقيمون الصلاة .. ثنى بوصفهم بإعطاء الصدقة، والبرّ بالفقراء، فقال: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ}؛ أي: وفي أموال أولئك المذكورين {حَقٌّ}؛ أي (١): نصيب وافر يوجبونه على أنفسهم؛ أي: يعدّونه واجبًا عليهم في أموالهم، ويلزمونه أنفسهم تقرّبًا إلى الله، وإشفاقًا على الناس، فليس المراد بالحق: ما أوجبه الله عليهم في أموالهم، فاندفع به ما عسى يقال: كيف يمدح المرء بأنه يثبت في ماله حقًّا للفقراء؟ فمن يمنع الزكاة من الأغنياء يوجد فيهم هذا المعنى، ولا يستحقّون المدح؛ أي: هم الذين لا يجمعون (٢) الأموال إلا ويجعلونها ظرفًا للحق، فيرون في أموالهم حقًّا {لِلسَّائِلِ}؛ أي: للذي يسأل العطاء من الناس {وَالْمَحْرُومِ}؛ أي: وللمتعفّف الذي يحسبه بعض الناس غنيًّا، فلا يعطيه شيئًا، فهو الذي لا يسأل ولا يعطي؛ أي: هم أوجبوا على أنفسهم بمقتضى الكرم، بأن يصلوا بأموالهم الأرحام والفقراء والمساكين، تقرّبًا إلى الله تعالى، وقال محمد بن سيرين وقتادة: الحق هنا الزكاة المفروضة، والأول أولى، فيحمل على صدقة النفل، وصلة الرحم، وقرى الضيف؛ لأنَّ السورة مكيّة، والزكاة إنما فرضت في المدينة، وسيأتي في {سَأَلَ سَائِلٌ}: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)}: بزيادة معلوم.

والمعنى (٣): وجعلوا في أموالهم جزءًا معيّنًا ميّزوه، وعزلوه للطالب المحتاج، والمتعفّف الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يسأل الناس، ولا يفطنون إليه ليتصدّقوا عليه، أخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المسكين الذي تردّه التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان" قيل: فمن المسكين؟ قال: "الذي ليس له ما يغنيه، ولا يعلم مكانه فيتصدّق عليه، فذلك المحروم".


(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.