من العقاب جزاءً لهم على أعمالهم، فقال:{وَعَدَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى هؤلاء {الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ} المجاهرين بالكفر جميعًا {نَارَ جَهَنَّمَ} يصلونها حالة كونهم {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: ماكثين فيها مكثًا مؤبدًا لا نهاية له، فالنار المخلدة من أعظم العقوبات، وقدم المنافقين في الوعيد على الكفار للإيذان بأنهم وإن أظهروا الإيمان وعملوا أعمال الإسلام شر من الكفار، ولا سيما المتدينين منهم بأديان محرفة أو منسوخة، كأهل الكتاب وفي هذه الآية دليلٌ على أن وعد يقال في الشر، كما يقال في الخير:{هِيَ}؛ أي: نار جهنم {حَسْبُهُمْ}؛ أي: كافيتهم عقوبةً ولا شيء أبلغ منها، ولا يمكن الزيادة عليها {و} مع ذلك فقد {لَعَنَهُمُ اللَّهُ} تعالى: أي: طردهم وأبعدهم من رحمته {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}؛ أي: نوعٌ آخر من العذاب دائم، لا ينفك عنهم، كالزمهرير والسموم.
والمعنى: أن نار جهنم فيها من الجزاء ما يكفيهم، عقابًا لهم في الآخرة على أعمالهم، وعليهم لعنة الله في الدنيا والآخرة، بحرمانهم من رحمته، التي لا يستحقها إلا المؤمنون الصادقون، ولهم عذاب مقيم دائم، غير عذاب جهنم، كالسموم الذي يلفح وجوههم، والحميم الذي يصهر ما في بطونهم، والضريح الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وحرمانهم من لقاء الله تعالى وكرامته، والحجاب دون رؤيته، كما قال: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦)}.
٦٩ - ثم شبه سبحانه وتعالى حال المنافقين بالكفار الذين كانوا من قبلهم، ملتفتًا من الغيبة إلى الخطاب، فقال:{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} والكاف فيه خبر لمبتدأ محذوف، ولكنه مع تقدير مضاف؛ أي: فعلكم أيها المنافقون المعاصرون لمحمد - صلى الله عليه وسلم - كفعل الكفار الذين كانوا من قبلكم من الأمم الماضية، في الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وقبض الأيدي عن الخيرات، فقد {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً}؛ أي: أكثر منكم قوةً في الأبدان {وَأَكْثَرَ} منكم {أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا}؛ أي: أجمع منكم إياها {فَاسْتَمْتَعُوا}؛ أي: تمتع أولئك الكفار وانتفعوا {بِخَلَاقِهِمْ}؛ أي: بنصيبهم وحظهم من ملاذ الدنيا وشهواتها مدة حياتهم،