للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يذبح فيها، وولد موسى في السنة التي يذبحون فيها، فلم يردّ اجتهادهم من قضاء الله شيئا، وشمّر فرعون عن ساق الاجتهاد، وحسر عن ذراع العناد، فأراد أن يسبق القضاء ظهوره، ويأبى الله إلا أن يتم نوره {وَفِي ذلِكُمْ} إشارة (١) إلى ما ذكر من التذبيح والاستحياء {بَلاءٌ}؛ أي: محنة وبليّة، وكون استحياء نسائهم؛ أي: استبقائهن على الحياة محنة، مع أنه عفو، وترك للعذاب، لما أن ذلك كان للاسترقاق والاستعمال في الأعمال الشاقّة، ولأنّ بقاء البنات مما يشق على الآباء، ولا سيما بعد ذبح البنين، لما فيه من انقطاع النسل، وفساد أمر معيشتهن {مِنْ رَبِّكُمْ}؛ أي: من جهته تعالى، بتسليطهم عليكم {عَظِيمٌ} صفة للبلاء، وتنكيرهما للتفخيم، والمعنى على هذا القول: وفي ذلكم المذكور من ذبح الأبناء واستبقاء البنات للخدمة، اختبار وامتحان شديد واقع عليكم من ربكم، ويجوز أن يشار بذلكم إلى الإنجاء من فرعون، ومعنى البلاء حينئذ النعمة؛ لأنّ أصل البلاء الاختبار، والله تعالى يختبر عباده تارة بالمنافع ليشكروا فيكون ذلك الاختبار منحة؛ أي: عطاء ونعمة؛ وأخرى بالمضار ليصبروا فيكون محنة، فلفظ الاختبار يستعمل في الخير والشر. قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} ومعنى من ربكم؛ أي ببعث موسى وبتوفيقه لتخليصكم منهم، والمعنى على هذا القول: وفي ذلكم المذكور من تنجيتكم من عذابهم، نعمة عظيمة واقعة لكم من ربكم. وحمل البلاء (٢) على النعمة أرجح؛ لأنها هي التي صدرت من الله تعالى؛ ولأن موضع الحجة على اليهود إنعام الله تعالى على أسلافهم. اه. «مراح».

وقال أبو حيان: (٣) هو أضعف من القول الذي قبله؛ لما فيه من إعادة اسم الإشارة إلى أبعد مذكور، وهو المصدر المفهوم من نجيناكم. والمتبادر إلى الذهن، والأقرب في الذكر، هو القول الأول. اه.

٥٠ - {وَ} اذكروا يا بني إسرائيل! أيضا {إِذْ فَرَقْنا} وفلقنا، وشققنا، وفصلنا {بِكُمُ}؛ أي: بسبب إنجائكم، فالباء


(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.