للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فجئنا يا هود {بِما تَعِدُنا}؛ أي: بما تهددنا به من العذاب على ترك الإيمان بك، وترك العمل بما جئت به من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في إخبارك بنزول العذاب، وغرضهم بهذا القول أنه إذا لم يأتهم هود بذلك العذاب ظهر لهم كونه كاذبا، وهذا استعجال منهم للعذاب الذي كان هود يعدهم به لشدة تمردهم على الله، ونكوصهم عن طريق الحق، وبعدهم عن ابتاع الصواب.

٧١ - فأجابهم هود على مقالتهم بقوله: {قالَ} هود لقومه: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ}؛ أي: عذاب {وَغَضَبٌ}؛ أي: سخط منه؛ أي: قد قضى عليكم ربكم ومالك أمركم بعذاب وطرد من رحمته، وقد كان عذابهم ريحا صرصرا ذات صوت شديد عاتية تنزع الناس من الأرض، ثم ترميهم صرعى كأنهم أعجاز نخل منقعر، أي: قد قلع من منابته وزال من أماكنه، وفي هذه الجملة جعل ما هو متوقع كالواقع تنبيها على تحقق وقوعه. ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة، فقال: {أَتُجادِلُونَنِي} والهمزة فيه للإنكار والاستقباح لإنكارهم مجيئه داعيا لهم إلى عبادة الله، وترك عبادة الأصنام؛ أي: أتخاصمونني {فِي أَسْماءٍ} عارية عن المسمى؛ إذ ليس فيها من معنى الألوهية شيء {سَمَّيْتُمُوها}؛ أي: سميتم بها {أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ} أصناما، وكانت ثلاثة سموا أحدها صمودا، والأخرى صمدا، والثالثة هبا، فإنهم سموا الأصنام بالآلهة مع أن معنى الألوهية فيها معدوم؛ أي: وضعتموها أنتم وأباؤكم الذي قلدتموهم على غير علم ولا هدى منكم، ولا منهم لمسميات اتخذوها، فاتخذتموها آلهة زاعمين أنها تقربكم إلى الله زلفى، وتشفع عنده لكم {ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها}؛ أي: ما أنزل بعبادتها {مِنْ سُلْطانٍ}؛ أي: من حجة ولا برهان يصدق زعمكم بأنه رضي أن تكون واسطة بينه وبينكم؛ لأن المستحق للعبادة بالذات هو الموجد للكل، وأن الأصنام لو استحقت العبادة .. كان استحقاقها بجعله تعالى؛ إما بإنزال آية، أو نصب دليل، فقوله تعالى: {ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ} عبارة عن خلو مذاهبهم عن الحجة والبينة.

والخلاصة: (١) أنه هو الذي يتوجه إليه وحده، ولا يشرك معه أحد من خلقه


(١) المراغي.