وأمسى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧)} حتى يختم الآيتين". ذكره أحمد في "مسنده" الآيات الثلاث. وفي "عين المعاني": عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: كم من كتاب أنزل الله؟ قال: مئة كتاب وأربعة كتب. أنزل الله على آدم عشر صحائف، وعلى شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف. وأنزل الله التوراة، والإنجيل والزبور، والفرقان. قال: قلت: يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم؛ قال: "كانت أمثالًا منها: أيّها الملك المبتلى المغرور إني لم أبعثك، فتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك كيلا ترد دعوة المظلوم، فإني لا أردها، وإن كانت من كافر" الحديث.
وإنما ذكر ما جاء في شريعتي هذين البيين فحسب؛ لأن المشركين كانوا يدعون أنهم على شريعة أبيهم إبراهيم، وأهل الكتاب كانوا يدعون أنهم متبعون ما في التوراة وصحفها قريبة العهد منهم.
فإن قلت: لم قدم موسى هنا على إبراهيم، وعكس في سورة الأعلى؟.
قلت: إنما قدم موسى هنا لما أنَّ صحفه التي هي التوراة أشهر عندهم وأكثر، وأيضًا هو من باب الترقي من الأقرب إلى الأبعد لكون الأقرب أعرف، وأيضًا أن موسى صاحب كتاب حقيقة بخلاف إبراهيم. وقدم إبراهيم على موسى في سورة الأعلى لغرض الفاصلة.
وقرأ الجمهور {وَفَّى} بتشديد الفاء. وقرأ أبو أمامة الباملي، وسعيد بن جبير، وأبو مالك الغفاري، وابن السميقع، وزبد بن علي بتخفيفها. ولم يذكر متعلق {وَفَّى} إفادة للعموم، ذكره في "البحر".
٣٨ - ثم بين سبحانه ما في صحفهما، فقال:{أَلَّا تَزِرُ}؛ أي: والذي في صحفهما أنه لا تزر، ولا تحمل نفس {وَازِرَةٌ}؛ أي: حاملة وزرًا وحملًا {وِزْرَ أُخْرَى}، أي: حمل نفس أخرى. ومعناه: لا تؤخذ نفس بذنب نفس أخرى. وأصله (١): أن لا تزر؛ على أن {أن} هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، والجملة المنفية خبرها. ومحل الجملة الجر، على أنها بدل عن {مَا} في قوله: