للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يؤمن به كل من بعث إليه، ويتمنى لمزيد شفقته عدم إصرار الكفار على كفرهم، وبعد أن نهاه عن الالتفات إلى الأغنياء من الكفار، أمره بالتواضع لفقراء المسلمين فقال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ}؛ أي: ألن جانبك وحالك {لِلْمُؤْمِنِينَ} وتواضع لمن معك من المؤمنين وارفق بهم، ولا تجف بهم، ولا تغلظ عليهم (١)، مستعار من خفض الطائر جناحه، ونحو الآية قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} وقوله في صفة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}.

٨٩ - ثم بين وظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَقُلْ} لهم يا محمد {إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ}؛ أي: المنذر لقومه ما يصيبهم من عذاب الله، إن لم يؤمنوا؛ أي (٢): أنا النذير للناس من عذاب أليم أن يحل بهم على تماديهم في غيهم، كما حل بمن تقدم من الأمم المكذبة لرسلها، فانتقم الله منهم لإنزال العذاب بهم.

وفي "الصحيحين": عن أبي موسى الأشعري إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق"،

٩٠ - وقوله: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠)} هو (٣) من قول الله تعالى، لا من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، متعلق بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ} لأنه بمعنى أنزلنا؛ أي: أنزلنا عليك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم، إنزالًا مماثلًا لإنزال الكتابين التوراة والإنجيل، على اليهود والنصارى المقتسمين؛ أي:

٩١ - {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ} المنزل عليك يا محمد {عِضِينَ}؛ أي: أجزاء؛ أي: الذين اقتسموا القرآن وجزؤوه وجعلوه أجزاءً، فآمنوا ببعضه الذي وافق كتابيهما، وكفروا بعضه وهو ما خالفهما، أخرج هذا المعنى البخاري وسعيد بن منصور


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.