للتنبيه على أن الولاية لله سبحانه وتعالى على الأصالة، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين على التبع، لو قيل إنَّما أولياءكم الله ورسوله والذين آمنوا .. لم يكن في الكلام أصل وتبع؛ أي: لا ولي يلي أموركم أيها المؤمنون، ولا حافظ لكم ولا ناصر ينصركم على أعدائكم إلا الله سبحانه وتعالى ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، والمؤمنون الصادقون الذين اتصفوا بهذه الصفات التالية المذكورة قريبًا. وفي هذا تعريض للمنافقين في توليهم الكفار دون الله تعالى، ولما كانت كلمة الذين آمنوا تشمل كل من أسلم ولو ظاهرًا .. بين المراد منها بقوله:{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} بدل من الذين آمنوا، ويجوز رفعه على القطع، أو نصبه على المدح {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}؛ أي: يؤدونها لمستحقيها وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} جملة حالية من فاعل الفعلين اللذين قبله، والمراد بالركوع الخشوع والخضوع؛ أي: يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم خاشعون خاضعون لا يتكبرون. وقيل: هو حال من فاعل الزكاة والمراد بالركوع هو المعنى المذكور؛ أي: يضعون الزكاة فيها مواضعها غير متكبرين على الفقراء ولا مترفعين عليهم.
قال في "الأساس": العرب تسمي من آمن بالله ولم يعبد الأوثان راكعًا، وقال أبو مسلم: المراد بالركوع الخضوع. والمعنى؛ أي: أنَّ المؤمنين الذين يقومون بحق الولاية والنصرة لكم، هم الذين يقيمون الصلاة ويؤدونها حق الأداء باشتمالها على الآداب الظاهرة والباطنة، ويعطون الزكاة مستحقيها، وهم خاضعون لأوامر الله مع طيب نفس وهدوء قلب، لا خوفًا ولا رياء ولا سمعة، دون المنافقين الذين يقولون: آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ويأتون بصورة الصلاة لا بروحها ومعناها المقصود منها، فإذا هم قاموا إلى الصلاة .. قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلًا. قال ابن الجوزي: فأما اتخاذهم الدين هزوًا ولعبًا .. فهو إظهارهم الإِسلام وإخفاؤهم الكفر وتلاعبهم بالدين
٥٦ - {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ} بالإيمان به والتوكل عليه {وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} بنصرهم والاستنصار لهم .. فإنَّهم هم الغالبون على أعدائهم؛ لأنهم حزب الله، {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ} وجنده وأنصاره {هُمُ الْغَالِبُونَ} على أعدائهم بالحجة، فإنَّها مستمرة أبدًا، إما بالصولة والدولة، ققد يغلبون كما وقع ذلك في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة، والحزب