وحكمة ما حصل بهم في ذلك اليوم تمحيص المؤمنين كما سيأتي في قوله:{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ} الآية. وتربيتهم بالفعل على إقامة سنن الله تعالى في ارتباط الأسباب بالمسببات، ومعرفة أن هذه السنن حاكمة حتى على الرسول، وأن قتل الرسول أو موته لا ينبغي أن يثبط الهمم، ولا يدعو إلى الانقلاب على الأعقاب، وأن كل ما يصيب العباد من مصائب فهو نتيجة عملهم، وعقوبة طبيعية على أفعالهم.
١٢٧ - واللام في قوله:{لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} متعلقة بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ}، أي: وعزتي وجلالي، لقد نصركم الله سبحانه وتعالى، وأعزكم على عدوكم يوم بدر مع قلة عددكم وعددكم بأمداد الملائكة؛ ليقطع، ويهلك طرفًا وجماعة من صناديد الذين كفروا، وأشركوا بالله، ويهدم ركنًا من أركان الشرك، يعني مشركي مكة بقتل سبعين منهم، وأسر سبعين آخرين منهم. وعبر بالطرف؛ لأنه أقرب إلى المؤمنين من الوسط، فهو أول ما يوصل إليه من الجيش {أَوْ يَكْبِتَهُمْ}؛ أي: أو ليكبت، ويذل، ويخزي الطرف الآخر منهم، والجماعة الباقية منهم، ويغيظهم بالهزيمة {فَيَنْقَلِبُوا}، ويرجعوا إلى مكة حال كونهم {خَائِبِينَ}، أي: غير ظافرين بمرادهم من استئصال المؤمنين والظفر لهم.
وقد فعل الله تعالى ذلك بهم في بدر حيث قتل المسلمون من صناديدهم سبعين، وأسروا سبعين، وأعز الله المؤمنين، وأذل الشرك والمشركين.
وقرأ الجمهور (١): {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} بالتاء، وقرأ لاحق بن حميد {أو يكبدهم} بالدال مكان التاء، والمعنى: أو يصيب الحزن كبدهم.
١٢٨ - ثم أتى بجملة معترضة بين ما قبلها وما بعدها؛ لبيان أن الأمر كله بيد الله فقال:{لَيْسَ لَكَ} يا محمَّد {مِنَ الْأَمْرِ}؛ أي: من أمر عبادي وتدبيرهم وحسابهم {شَيْءٌ} بل إنما عليك البلاغ والدعوة لهم إلى توحيدي، والقضاء فيهم بيدي دون غيري، أقضي فيهم، وأحكم بالذي أشاء من التوبة، أو عاجل العذاب