فيهما، ويتفكر في صنعه، أو أراد أن يشكر نعمة ربه ليجني ثمار كل منهما؛ إذ لو جعل أحدهما دائمًا لفاتت فوائد الآخر، ولحصلت السآمة والملل، وفتر العزم الذي يثيره دخول وقت الآخر إلى نحو أولئك من الحكم التي أحكمها العلي الكبير، وفي الحديث الصحيح:"إن الله عَزَّ وَجَلَّ يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، وعن الحسن: من فاته عمل من التذكر والشكر بالنهار كان له في الليل مستعتب، ومن فاته بالليل كان له في النهار مستعتب. روي أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى، فقيل له: صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه؟ فقال: إنه بقي عليّ من وردي شيء فأحببت أن أتمه، أو قال: أقضيه، وتلا هذه الآية {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ...} الخ.
٦٣ - ثم وصف الله سبحانه عباده المخلصين بصفات تسع:
الأولى: ما ذكره بقوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} هذا كلام مستأنف مسوق لبيان صالحي عباد الله سبحانه، دون عباد الدنيا والشيطان والنفس والهوى، فإنهم وإن كانوا عبادًا بالإيجاد، لكنهم ليسوا بأهل لإضافة التشريف والتفضيل من حيث عدم اتصافهم بالصفات الآتية التي هي آثار رحمته تعالى الخاصة المفاضة على خواص العباد، والمعنى: وعباد الرحمن المقبولون؛ وهو مبتدأ، خبره قوله:{الَّذِينَ يَمْشُونَ}؛ أي: هم الذين يمشون {عَلَى الْأَرْضِ} التي هي غاية في الطمأنينة والسكون والتحمل، حال كونهم {هَوْنًا}؛ أي: هيّنين ليّني الجانب من غير فظاظة، أو يمشون مشيًا هينًا على أنه مصدر وصف به، والمعنى: أنهم يمشون بسكينة وتواضع، لا بفخر وفرح ورياء وتجبر، ولا يضربون بأقدامهم الأرض، ولا يخفقون بنعالهم، وذلك لما طالعوا من عظمة الحق وهيبته، وشاهدوا من كبريائه وجلاله، فخشعت لذلك أرواحهم، وخضعت نفوسهم وأبدانهم.
والمعنى: أي (١) وعباد الله الذين حق لهم الجزاء والمثوبة من ربهم هم الذين يمشون في سكينة ووقار، لا يضربون بأقدامهم، ولا يخفقون بنعالهم أشرًا