للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العهد في قوله: {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} الإذن في الشفاعة والمعنى؛ أي: لا يملك أحد من المتقين أيًا كان أن يشفع للعصاة، إلا من اتخذ من الله إذنًا في الشفاعة، كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} فالشفاعة على هذا مصدر من المبني للفاعل، وإما راجع إلى المجرمين خاصةً، ويكون حينئذٍ معنى العهد الإيمان والإِسلام، والشفاعة: مصدر من المبني للمفعول، والمعنى لا يملك المجرمون؛ أي: لا يستحق المجرمون أن يشفع لهم إلا من اتخذ عند الرحمن إيمانًا؛ أي: إلا من كان منهم مسلمًا مؤمنًا؛ أي: لا يستحق (١) هؤلاء المجرمون أن يشفع لهم غيرهم، إلا من اتخذ كلمة الشهادة بالتوحيد والنبوة، ولو كانوا أهل الكبائر، وروى ابن مسعود أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه ذات يوم: "أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدًا؟ " قالوا: وكيف ذلك؟ قال: "يقول كل صباح ومساء: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، إني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك، فإنك إن تكلني إلى نفسي .. تقربني من الشر، وتبعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لى عهدًا توفينيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد، فإذا قال ذلك طبع الله عليه بطابع، ووضع تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة .. نادى منادٍ أين الذين لهم عند الرحمن عهد؟ فيدخلون الجنة" أخرجه الطبراني، والحاكم وصححه غيرهما.

ويحتمل عود الضمير في {يَمْلِكُونَ} إلى الفريقين جميعًا، وهو أولى، والمعنى حينئذ؛ أي: لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من استعد لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم، أو المشفوعين بأن يكون مؤمنًا تقيًا، فهذا معنى اتخاذ العهد عند الله تعالى

٨٨ - {وَقَالُوا}؛ أي: قال الكافرون {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}؛ أي: قالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقال مشركو العرب: الملائكة بنات الله، وهذه الجملة مستأنفة، وقرأ يحيى (٢) بن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي {ولدًا} بضم الواو وإسكان اللام، وقرأ


(١) المراح.
(٢) الشوكاني.