للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإباؤه على الشقاوة الأزلية، إذ الأبد مِرآةُ الأزل، يظهر فيها صورةُ الحال سعادةً وشقاوةً.

قال في «بحر العلوم»: استثني (١) إبليس من الملائكة وهو جنّيّ؛ لأنه قد أمر بالسجود معهم، فغلّبوا عليه تغليب الرجال على المرأة، في قولك: خرجوا إلا فلانة، ثُمَّ استثني الواحد منهم استثناء متصلًا.

{قالَ}؛ أي: إبليس اعتراضًا، وعجبًا، وتكبرًا، وإنكارًا عندما وبَّخه الله تعالى بقوله: {يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} {أَأَسْجُدُ}، وأنا مخلوق من العنصر العالي، وهو النار {لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}؛ أي: لمن خلقته من طين؛ أي: ما صح مني أن أسجد له واستحال ذلك مني، لأنَّ الاستفهام فيه إنكاري، فهو بمعنى النفي.

وحاصل المعنى: أي (٢) واذكر أيها الرسول لقومك عداوة إبليس، استكبر وأبى أن يسجد له افتخارًا عليه، واحتقارًا له، وقال: أأسجد لمن خلقته من الطين، وأنا مخلوق من النار، كما جاء في الآية الأخرى {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} فكفر بنسبة ربه إلى الجور بتخيّله أنه أفضل من آدم من قبل وأنّ الفروع ترجع إلى الأصول، وأنّ النّار - التي هي أصله - أكرم من الطين الذي هو أصل آدم، وقد فاته أنّ الطّين أنفع من النار، ولئن سلم غير هذا، فالأجسام كلّها من جنس واحد، والله هو الذي أوجدها من العدم، ويفضل بعضها على بعض، بما يحدث فيها من الأعراض، فاستحقّ اللعن والطرد والبعد.

٦٢ - {قالَ}؛ أي: إبليس أيضًا بعد الاستنظار لربه، جرأة وكفرا، والربّ يحلم وينظر {أَرَأَيْتَكَ}؛ أي: أخبرني يا إلهي {هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}، أي: أخبرني عن هذا الذي فضّلته علي، لم فضلته علي، وقد خلقتني من نار، وخلقته من طين، وهل يوجد ما يدعو إلى تفضيله عليّ، وهذا كلام قاله على وجه التعجب والإنكار؛ أي:


(١) السمرقندي.
(٢) المراغي.