للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من شأن أحد الإسماع، كما أنه ليس من شأن الميت السماع، وظهر من هذا الجواب أنه لا معارضة بين الآية والحديث، وقوله عليه الصلاة والسلام: "ما أنتم بأسمع ... " إلخ، يدل على أن الأرواح أسمع من الأجساد مع الأرواح لزوال حجاب الحس وانخراقه، والله أعلم.

٢٤ - ثم بيَّن سبحانه أنه ليس نذيرًا من تلقاء نفسه، بل بإذن ربه وإرادته، وأنه ما جاء إلا بالحق، فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} يا محمد {بِالْحَقِّ} إما حال من الفاعل؛ أي: حال كوننا محقين، أو من المفعول؛ أي: حال كونك محقًا، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي: إرسالًا متلبسًا بالحق، وهذا أولى لشموله الأولين في المعنى؛ أي: وأرسلناك بالدين الحق الذي هو الإِسلام، أو بالقرآن حال كونك، {بَشِيرًا}؛ أي: مبشرًا للمؤمنين بالجنة {وَنَذِيرًا}؛ أي: منذرًا للكافرين بالنار.

والمعنى: أي إنا أرسلناك أيها الرسول بالإيمان بي وحدي، وبالشرائع التي فرضتها على عبادي مبشرًا بالجنة من صدقك، وقبل منك ما جئت به من عندي ومنذرًا بعقاب من كذبك ورد عليك ما أوحيت به إليك، ثم بيَّن فضله سبحانه على عباده ورحمته بهم، وأنه لم يتركهم دون أن يبين لهم طريق الهدى والضلال، فقال: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ}؛ أي: ما من أمة من الأمم السالفة وأهل عصر من الأعصار الماضية {إِلَّا خَلَا} ومضى ومر {فِيهَا}؛ أي: في تلك الأمة {نَذِيرٌ} من نبي أو عالم ينذرهم من عذاب الله تعالى، والاكتفاء بالإنذار؛ لأنه هو المقصود الأهم من البعثة.

قال في "الكواشي": وأما فترة عيسى فلم يزل فيها من هو على دينه، وداع إلى الإيمان. وفي "كشف الأسرار": والآية تدل على أن كل وقت لا يخلو من حجة خبرية، وأن أول الناس آدم، وكان مبعوثًا إلى أولاده، ثم لم يخل بعده زمان من صادق مبلغ عن الله، أو آمر يقوم مقامه في البلاغ والأداء حين الفترة، وقد قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦)} لا يؤمر ولا ينهى.

فإن قيل (١): كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ


(١) روح البيان.