للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ ... وَكَلُّ نَعِيْمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِلُ

والكلام في تحقيق ذلك يطول.

وقال الإِمام المرزوقي شارح "الحماسة": تأخر الشعراء عن البلغاء؛ لتأخر المنظوم عند العرب؛ لأن ملوكهم قبل الإِسلام وبعده يتبجحون بالخطابة، ويعدونها أكمل أسباب الرياسة، ويعدون الشعر دناءة؛ لأن الشعر كان مكسبة وتجارة، وفيه وصف اللئيم عند الطمع بصفة الكريم، والكريم عند تأخر صلته بوصف اللئيم، ومما يدل على شرف النثر أن الإعجاز وقع في النثر دون النظم؛ لأن زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - زمن الفصاحة.

وقرأ عيسى بن عمر (١): {وَالشُّعَرَاءُ} بالنصب على الاشتغال، والجمهور بالرفع على الابتداء والخبر، وقرأ نافع وشيبة والحسن بخلاف عنه، والسلمي {يَتَّبِعُهُمُ} بسكون التاء مخففًا من تبع الثلاثي وقرأ باقي السبعة مشددًا. والوجهان حسنان. يقال: تبعت واتبعت مثل حقرت واحتقرت. وسكن العينَ الحسنُ، وعبد الوارث عن أبي عمرو. وروى هارون نصبها عن بعضهم، وهو مشكل. ذكره أبو حيان.

٢٢٥ - ثم بين تلك الغواية بأمرين، فقال:

١ - {أَلَمْ تَر} يا من (٢) شأنه الرؤية؛ أي: قد رأيت وعلمت. والاستفهام فيه للتقرير، والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية {أَنَّهُمْ}؛ أي: أن الشعراء {فِي كُلِّ وَادٍ}؛ أي: في كل فن من فنون الكذب، وفي كل شعب من شعاب الزور، وفي كل نوع من أنواع المدح أو الذم، والهجاء والشتم، والفحش واللعن، والافتراء والدعاوى، والتكبر والمفاخر، والتحاسد والعب، والإراءة وإظهار الفضل، والدناءة والخسة، والطمع والتَّكَدِّي، والذلة والمهانة، وأصناف الأخلاق الرذيلة، والطعن في الإنساب والأعراض، وغير ذلك من الآفات التي هي من توابع الشعر {يَهِيمُونَ} يقال: هام على وجهه - من باب باع - هيمانًا، بفتحتين،


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.