للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: شيء عجيب هو في الهول والفظاعة، أي: ما أدراك أحد الآن عنه أمره، فإنه خارج عن دائرة الخلق على أي صورة يصورونه، فهو فوقها وأضعافها.

والمعنى (١): أي إن أمرك أيها الإنسان لعجيب، فأنت لاهٍ عن هذا اليوم غير مبال به، وقد كنت خليقًا أن تتعرف حقيقة حاله لتأخذ لنفسك الحيطة، وتتدبر أمرك، ولا تركن إلى عفو ربك وكرمه وصفحه، فإنك لا تدري ما قدر لك،

١٨ - ثم زاده توكيدًا وتعظيمًا، فقال: {ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨)} كرر بـ {ثُمَّ} (٢) المفيدة للترقي في التوبة للتأكيد وزيادة التخويف والتهويل لأمره، كما في قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣)} وقوله: {الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)}، والمجموع تعجيب للمخاطبين، وتفخيم لشأن اليوم.

وإظهار {يَوْمِ الدِّينِ} في في مقام الإضمار تأكيد لهوله وفخامته.

والمعنى (٣): أي ثم عجيب منك أن تتهاون بنبأ هذا اليوم، كأنك قد أدركت كنهه، وعرفت وجه الخلاص مما يلقاك فيه من الأهوال، ولو عرفته حق معرفته .. للانت قناتك، ورجعت إلى ربك تائبًا، وعدت إليه مستغفرًا طالبًا الصفح عما قدمت يداك.

١٩ - ثم بين حقيقة أمره فقال: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} بيان إجمال (٤) لشأن يوم الدين إثر إبهامه، وبيان خروج عن دائرة علوم الخلق بطريق إنجاز الوعد، فإن نفي إدرائهم مشعر بالوعد الكريم بالأدراء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما في القران من قوله تعالى: {مَا أَدْرَاكَ} فقد أدراه، وكل ما فيه من قوله: {وَمَا يدرِيَكَ} فقد طوى عنه. و {يَوْمُ}: مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وحركته الفتح لإضافته إلى غير متمكن، كأنه قيل: هو يوم لا تملك فيه نفس من النفوس لنفس من النفوس شيئًا من الأشياء أو منصوب بإضمار: اذكر، كأنه قيل بعد تفخيم أمر يوم الدين وتشويقه - صلى الله عليه وسلم - إلى معرفته: اذكر يوم لا تملك إلخ، فإنه يدريك ما هو،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.