إنكم لسارقون فردوا عليه، فقالوا: فقد سرق أخ له من قبل.
{وَاللَّه} سبحانه وتعالى {أَعْلَم} منكم {بما تصفون} ـه به من السرقة؛ أي: أعلم بحقيقة ما تذكرون من أمر يوسف يوجب عود مذمة إليه أم لا؟ لأنه سبحانه وتعالى هو العلم بحقائق الأمور، فيعلم كيف كانت سرقة الذي أحلتم سرقته عليه؛ أي: والله أعلم أسرق أخ له أم لا، فـ {أعلم} على ما قررناه على معناه التفضيلي، فإن قيل: لم يكن فيهم علم، والتفضيل يقتضي الشركة .. قلنا: يكفي الشركة بحسب زعمهم، فإنهم كانوا يدعون العلم لأنفسم، ألا ترى إلى قولهم:{فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} على سبيل الجزم كما في "الحواشي السعدية".
وقيل: إن المفاضلة ليست على بابها، والمعنى عليه: والله تعالى أعلم؛ أي: عالم علمًا بالغًا إلى أقصى المراتب بأن الأمر ليس كما تصفون من صدور السرقة منا، بل إنما هو افتراء علينا، فالصيغة لمجرد المبالغة لا لتفضيل علمه على علمهم، كيف لا وليس لهم بذلك من علم.
روي: أنهم كلموا العزيز في إطلاق بنيامين، فقال روبيل: أيها الملك لتردن إلينا أخانا، أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل في مصر، وقامت شعور جسده، فخرجت من ثيابه، وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لا يطاقون، خلا أنه إذا مس من غضب واحد منهم .. سكن غضبه، فقال يوسف لابنه: قم إلى جنبه فمسه. ويروى: خذ بيده فمسه، فسكن غضبه، فقال روبيل: إن هنا لبذرًا من بذر يعقوب، فقال يوسف: مَنْ يعقوب؟ ولما رأوا أن لا سبيل لهم إلى تخليصه خضعوا وأرادوا أن يستعطفوه ليطلق لهم أخاه بنيامين، فيرجعوا به إلى أبيهم؛ لأنه قد أخذ عليهم الميثاق بأن يردوه إليه
٧٨ - و {قَالُوا} له مستعطفين {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ}؛ أي: يا أيها الملك {إِنَّ لَهُ أَبًا}؛ أي: إن لبنيامين {أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا}؛ أي: طاعنًا في سن الكبر لا يكاد يستطيع فراقه، وهو علالته التي يتعلل بها عن شقيقه الهالك، أو هو كبير القدر جدير بالرعاية كما علمت مما سلف في قصصه ومن تعلقه به {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ}؛ أي: بدله على وجه الاسترهان أو الاسترقاق،