و {ما} نافية (١) بمعنى ليس، ولهذا عقّب بالباء؛ أي: ليسوا بمصدّقين؛ لأنّهم يضمرون خلاف ما يظهرون بل هم منافقون. وفي الحكم عليهم بأنّهم ليسوا بمؤمنين، نفي ما ادّعوه على سبيل البت والقطع؛ لأنّه نفي أصل الإيمان منهم بإدخال الباء في خبر {ما}، ولذا لم يقل: وما هم من المؤمنين، فإنّ الأول أبلغ من الثاني.
دلّت الآية: على أنّ الدعوى مردودة، إذا لم يقم عليها دلائل الصحة. قال بعضهم: من تحلّى بغير ما فيه فضح الامتحان ما يدّعيه، فإنّ من مدح نفسه ذمّ، ومن ذمّ نفسه مدح، قال فرعون عليه لعنة الله:{وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فقيل فيه: {وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}، وقال يونس - عليه السلام -: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فقيل له: {فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}.
٩ - وقوله:{يُخادِعُونَ اللَّهَ} جملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنّه قيل: ما لهم يقولون ذلك وهم غير مؤمنين؟ فقيل: يخادعون الله الخ. أي: يخدعون الله سبحانه وتعالى، وإنما أخرج على زنة فاعل؛ للمبالغة، فليست المفاعلة على بابها، وخداعهم مع الله ليس على ظاهره؛ لأنّه لا تخفى عليه خافية؛ ولأنّهم لم يقصدوا خديعته بل المراد إما مخادعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيكون الكلام على حذف مضاف، كقوله:{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}؛ أي: يخادعون رسول الله ويغرّونه بما أظهروا من الإسلام، أو على أنّ معاملة الرسول معاملة الله، من حيث إنه خليفته في أرضه، والناطق عنه بأوامره ونواهيه مع عباده. ففيه رفع درجة النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث جعل خداعه خداعه.
والخدع على ما ذكرنا من جانب المنافقين لله وللمؤمنين، والتعبير بصيغة المخادعة؛ للدلالة على المبالغة في حصول الفعل، وهو الخدع، أو للدلالة على حصوله مرّة بعد أخرى، كما يقال: مارست الشيء وزاولته، إذ هم كانوا مداومين على الخدع، إذ أعمالهم الظاهرة لا تصدّقها بواطنهم، وهذا لا يكون إلّا من