مخادع، لا من تائب خاشع والخدع: أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه؛ لتحول بينه وبين ما يريد. وقيل: الخدع: أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه؛ ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب، أو يوهمه المساعدة على ما يريد هو به؛ ليغترّ بذلك، فيتجوّز منه بسهولة من قولهم: ضبّ خادع وخدع، وهو الذي إذا أمرّ الحارش يده على باب جحره يوهمه الإقبال عليه، فيخرج من بابه الآخر.
وكلا المعنيين مناسب للمقام، فإنّهم كانوا يريدون بما صنعوا أن يطلعوا على أسرار المؤمنين، فيحملوها إلى أعدائهم، وأن يدفعوا عن أنفسهم ما يصيب بسائر الكفرة من القتل، والأسر، والنهب، وأن ينالوا به نظم مصالح الدنيا جميعا، كأن يفعل بهم ما يفعل بالمؤمنين من الإعطاء. وإما لأنّ صورة صنعهم مع الله من إظهار الإيمان واستبطان الكفر، وصنع الله معهم من إجراء أحكام المسلمين عليهم، وهم عنده تعالى أخبث الكفار وأهل الدرك الأسفل من النار استدراجا لهم، وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله تعالى في إخفاء حالهم، وإجراء حكم الإسلام عليهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنع المخادعين، فتكون المخادعة بين الاثنين، فتكون المفاعلة على بابها.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا} معطوف على الجلالة؛ أي: ويريدون بذلك القول: أن يخدعوا الذين آمنوا، ويغروهم بإظهار الإيمان، وإخفاء الكفر للاطلاع على أسرارهم، وإذاعتها إلى أعدائهم من المشركين واليهود، ودفع الأذى عن أنفسهم.
وجملة قوله:{وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} حال من فاعل {يَخْدَعُونَ}؛ أي: يخادعون الله والمؤمنين بذلك القول، والحال أنّهم ما يضرّون بخداعهم ومكرهم في الحقيقة إلّا أنفسهم؛ لأنّ وبال خداعهم وعقوبته راجع إليهم، قال تعالى:{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه، وأمره بإخراجهم من المسجد. ونزل فيهم:{وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ} الآيات، ويعاقبون في الآخرة بالعذاب الدائم المؤبّد في الدرك الأسفل من النار.
أي: فدائرة فعلهم مقصورة عليهم. ومن راعى صيغة المفاعلة قال: وما يعاملون تلك المعاملة الشبيهة بمعاملة المخادعين إلّا بأنفسهم؛ لأنّ ضررها لا يحيق إلّا