للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولدٌ، أم لا {كُلٌّ}؛ أي: كُلُّ ما فيهما من أولي العلم، وغيرهم {لَهُ}؛ أي: لله سبحانه وتعالى {قَانِتُونَ} جمع الخبر اعتبارًا لمعنى كلٍّ؛ أي: منقادون، ولا يمتنع شيءٌ منهم، ولا يستعصي على مشيئته، وتكوينه، وتقديره، ومطيعون له طاعة تسخير وقهرٍ، فالجماد مسخَّر لما أراد الله منه، فالطاعة هنا: طاعة الإرادة والمشيئة، لا طاعة العبادة، أو مقروُّن له بالعبوديَّة والتوحيد، وكل ما كان بهذه الصفة لم يجانس مكوِّنه الواجب لذاته، فلا يكون له ولدٌ؛ لأنّه من حقّ الولد أن يجانس والده، وإنّما عبَّر عن (١) جميع الموجودات أوّلًا بما يعبَّر به عن غير ذوي العلم، وعبَّر عنه آخرًا بما يختصُّ بالعقلاء وهو لفظ {قَانِتُونَ}؛ تحقيرًا لشأن العقلاء الذين جعلوا ولدًا لله سبحانه {قَانِتُونَ} خبرٌ (٢) عن كلٌّ؛ وجمع حملًا على المعنى، وكلٌّ إذا حذف ما تضاف إليه جاز فيها مراعاة المعنى فتجمع، ومراعاة اللفظ فتفرد، وإنّما حسنت مراعاة الجمع هنا؛ لأنّها فاصلة رأس آية؛ ولأنَّ الأكثر في لسانهم؛ أنّه إذا قطعت عن الإضافة، كان مراعاة المعنى أكثر وأحسن. قال: {وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقد جاء إفراد الخبر، كقوله: كلٌّ يعمل على شاكلته، وسيأتي هناك إن شاء الله تعالى، ذكر ما حسَّن إفراد الخبر.

والخلاصة (٣): أي ليس الأمر كما زعموا، بل جميع ما في السموات والأرض ملك له، قانت لعزته، خاضع لسلطانه، منقاد لإرادته، فما وجه تخصيص واحد منهم بالانتساب إليه، وجعله ولدًا مجانسًا له {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} ثمَّ إن الله سبحانه، يخصُّ من يشاء من عباده بما شاء من الفضل، كالأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ولكن هذا لا يرتقي بالمخلوق إلى أن يصل إلى مرتبة الخالق.

١١٧ - {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: هو سبحانه وتعالى مبدعهما، وموجدهما،


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.