للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتكريرها عليهم {يَصْدِفُونَ} ويعرضون عن تلك الآيات، ويتجنبون عن التأمل والتفكر فيها، ويلقونها وراء ظهورهم، و {ثُمَّ} لاستبعاد إعراضهم عنها بعد ذكرها على الوجوه المختلفة، والغرض من هذه الجملة: تعجيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدم تأثرهم بما عاينوا من الآيات الباهرة.

وروى أبو قرة إسحاق بن محمد المسيبي عن نافع (١): {به انظر} بضم الهاء، وهي قراءة الأعرج. وقرأ الجمهور بكسر هاء {بِهِ} في {بِهِ انْظُرْ}. وقرأ بعض القراء: {كيف نصرف} من صرف الثلاثي.

٤٧ - {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين {أَرَأَيْتَكُمْ}؛ أي: أخبروني يا أهل مكة عن شأنكم {إِنْ أَتَاكُمْ} وجاءكم {عَذَابُ اللَّهِ} الذي مضت سنة الله في الأولين بإنزاله بأمثالكم من المكذبين المعاندين {بَغْتَةً} وفجأة؛ أي: مباغتًا ومفاجئًا لكم، فأخذكم على غرة لم تتقدمه أمارات تشعركم بقرب نزوله بكم {أَوْ جَهْرَةً}؛ أي: أو أتاكم مجاهرًا ومعاينًا لكم وأنتم تعاينونه وتنظرون إليه بحيث ترون مبادئه ومقدماته بأبصاركم {هَلْ يُهْلَكُ} حينئذ {إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ}؛ أي: هل يهلك الله به إلا القوم الظالمين منكم، الذين أصروا على الشرك والعناد والجحود، إذ قد مضت سنته تعالى في مثل هذا العذاب أن ينجي منه الرسل ومن اتبعهم من المؤمنين. والاستفهام هنا إنكاري.

والخلاصة: أنه لا يهلك بهذا العذاب غيركم لظلمكم أنفسكم وجنايتكم عليها بما اخترتم لها من الشرك والفجور، وعبادة من لا يستحق العبادة، وترك عبادة من هو بها حقيق وجدير. فإن قلت: إن المصيبة إذا وقعت تعم الصالح والطالح، فلِمَ خص الكافر هنا بالهلاك؟

قلتُ: الجواب: إن هلاك الكفار سخط وغضب، وهلاك المؤمن إثابة ورفع درجات، فلا يسمى في الحقيقة هلاكًا.

وقرأ ابن محيصن (٢): {هل يهلك} مبنيًّا للفاعل.


(١) البحر المحيط وزاد المسير.
(٢) البحر المحيط.