للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{سَائِقٌ}؛ أي: ملك يسوقها إلى المحشر {و} ملك {شَهِيدٌ} يشهد بعملها خيرًا أو شرًّا، وفي "كشف الأسرار": يسوق الكافر سائقه إلى النار، ويشهد الشهيد عليه بمعصيته، ويسوق المؤمن سائقه إلى الجنة، ويشهد الشهيد له بطاعته، وهل الملكان الكاتبان في الدنيا هما اللذان ذكرهما الله في قوله: {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}، أو غيرهما؟. فيه خلاف كما في "فتح الرحمن" أو معها ملك جامع بين الوصفين، كأنه قيل: معها ملك يسوقها ويشهد لها أو عليها،

٢٢ - ويقال له: والله {لَقَدْ كُنْتَ} أيها الإنسان في الدنيا {فِي غَفْلَةٍ} وسهوِ {مِنْ هَذَا} اليوم وغوائله، وفي "فتح الرحمن": من هذا النازل بك اليوم، وقال ابن عباس: من عاقبة الكفر، وفي "عين المعاني": أي: من السائق والشهيد، وخطاب الكل بذلك؛ لما أنه ما من أحد إلا وله غفلة ما من الآخرة، وقيل؛ الخطاب للكافر، وقرىء: {كنت} بكسر التاء على اعتبار تأنيث النفس، وكذا الخطابات الآتية، كما سيأتي، وقال ابن زيد (١): الخطاب للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة، وقال أكثر المفسرين: المراد به: جميع الخلق برّهم وفاجرهم، واختار هذا ابن جرير.

{فَكَشَفْنَا}؛ أي: أزلنا ورفعنا {عَنْكَ غِطَاءَكَ} وحجابك الذي كان على بصرك في الدنيا؛ يعني: رفعنا الحجاب الذي كان بينك وبين أمور الآخرة، ورفعنا ما كنت فيه من الغفلة عن ذلك {فَبَصَرُكَ} أيها الإنسان {الْيَوْمَ}؛ أي: في هذا اليوم الذي يعرض فيه العباد على الله {حَدِيدٌ}؛ أي: حاد نافذ، تبصر ما كنت تنكره، وتستبعده في الدنيا لزوال المانع للإبصار، ولكن لا ينفعك، وهذا كقوله: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا}.

وفي الآية (٢): إشارة إلى أنَّ الإنسان وإن خلق من عالمي الغيب والشهادة، فالغالب عليه في البداية الشهادة، وهي العالم الحسّي، فيرى بالحواس الظاهرة العالم المحسوس مع اختلاف أجناسه، وهو بمعزل عن إدراك عالم الغيب، فمن


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.