بعد تخصيص على الاستئناف، ويحتمل أن يكون {دُونَ} بمعنى غير، فيندرج القسمان الأخيران فيه.
وقيل المعنى: أي وقالوا: إنّا منا المسلمون العاملون بطاعة الله ومنّا قوم دون ذلك، وأنّا كنا أهواء مختلفة وفرقًا شتى، فمنا المؤمن والفاسق والكافر، كما هي الحال في الإنس، والأول أولى.
١١ - ١٢ {وَأَنَّا ظَنَنَّا}؛ أي: وقالوا: إنّا ظننا وعلمنا الآن بالاستدلال والتفكر في آيات الله. فالظن هنا بمعنى اليقين؛ لأن الإيمان لا يحصل بالظن، ولأن مقصودهم ترغيب أصحابهم وترهيبهم، وذلك بالعلم لا بالظن كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا النذير العريان". {أَن}؛ أي: أنَّ الشأن {لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ} سبحانه عن إمضاء ما أراد بنا، كائنين {فِي الْأَرْضِ} أينما كنّا من أقطارها، فقوله:{فِي الْأَرْضِ} حال من فاعل {نُعْجِزَ}، {وَلَنْ نُعْجِزَهُ} سبحانه، وقوله:{هَرَبًا} حال من فاعل {لَنْ نُعْجِزَ}؛ أي: هاربين من الأرض إلى السماء وإلى البحار وإلى جبل قاف، أو لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمرًا، ولن نعجزه هربًا إن طلبنا. فالفرار من موضع إلى موضع وعدمه سيّان في أنّ شيئًا منهما لا يفيد فواتنا منه، ولعل الفائدة في ذكر الأرض حينئذٍ الإشارة إلى أنها مع سعتها، وانبساطها ليست منجى منه تعالى ولا مهربًا.
والمعنى: أي وقالوا: إنا علمنا أن الشأن لن نعجز الله في الأرض أينما كنا في أقطارها؛ ولن نفوته إن أراد بنا أمرًا، ولن نعجزه هاربين منها إن طلبنا فلا نفوته بحال.
والخلاصة: أنّ الله قادر علينا حيث كنا، فلا نفوته هربًا.
١٢ - ١٣ {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى}؛ أي: وقالوا: إنّا لمّا سمعنا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم {آمَنَّا بِهِ} من غير تأخّر ولا تردّد، وصدّقنا أنّه من عند الله، ولم نكذب به كما كذبت به كفرة الإنس. {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ} وبما أنزله من الهدى {فَلَا يَخَافُ}؛ أي: فهو لا يخاف. فالكلام على تقدير مبتدأ، ولذلك دخلت الفاء، ولولا ذلك لقيل: لا يخف. وفائدة رفع الفعل ووجوب إدخال الفاء أنه قال على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة، وأنه المختص بذلك دون غيره. {بَخْسًا}؛ أي: نقصًا في جزاء حسناته {وَلَا رَهَقًا}؛ أي: ظلمًا بزيادة في جزاء سيئاته، أو جزاء بخس