للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القضاء النافذ في كل شيء، من غير مشاركة فيه لغيره، فلا معقب لحكمه، ولا راد لفضله، وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكم العدل اللطيف الخبير {وَإِلَيْهِ} لا إلى غيره {تُرْجَعُونَ} بالبعث من القبور يوم القيامة، فيجزي كل عامل جزاء عمله، إن خيرًا وإن شرًا، ولا يخفى عليه منهم خافية.

ويقال (١): ثمانية أشياء تعم الخلق كلهم: الموت، والحشر، وقراءة الكتاب، والميزان، والحساب، والصراط، والسؤال، والجزاء، فظهر أن الحكم النافذ بيد الله تعالى، ولو كان شيء منه في يد الخلق لمنعوا عن أنفسهم الموت، ودفعوا ملاقاة الأعمال في الحشر، وطريق النجاة التسليم والرضى، والرجوع إلى الله تعالى بالاختيار، فإنه إذا رجع العبد إلى الله تعالى بالاختيار لم يلق عنده شدة، بخلاف ما إذا رجع بالاضطرار، ومن علامات الرجوع إلى الله إصلاح السر والعلانية، والحمد له على كل حال، فإن الجزع والاضطراب من الجهل بمبدأ الأمر ومبديه، وليخفف ألم البلاء عنك علمك بأن الله هو المبتلي، وقيل في الضراء والسراء: لا إله إلا هو، والتوحيد أفضل الطاعات، وخير الأذكار والحسنات، وصورته منجية، فكيف بمعناه.

وروي: أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: "يا موسى لا تسأل منى الغنى فإنك لا تجده، وكل خلق مفتقر إلي، وأنا الغني، ولا تسأل علم الغيب، فإنه لا يعلم الغيب غيري، ولا تسألني أن أكف لسان الخلق عنك، فإني خلقتهم ورزقتهم وأُميتهم وأُحييهم، وهم يذكرونني بالسوء، ولم أكف لسانهم عني، ولا أكف لسانهم عنك، ولا تسأل البقاء، فإنك لا تجده، وأنا الدائم الباقي".

٧١ - {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المشركين من أهل مكة وغيرهم {أَرَأَيْتُمْ} أي: أخبروني، عبر عن الإخبار بالرؤية؛ لأنها سببه؛ أي: أخبروني أيها القوم {جَعَلَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا}؛ أي: دائمًا مستمرًا لا نهار معه


(١) روح البيان.