٣٢ - ثمّ بيّن سبحانه وتعالى، حالى كل فريق من المختصمين، فقال:{فَمَنْ أَظْلَمُ} و (الفاء): فاء الفصيحة؛ أو استئنافية، والاستفهام فيه، للإنكار، والتقدير: إذا عرفت أنه يقع التخاصم بين المحق والمبطل يوم القيامة، وأردت بيان حالهما .. فأقول لك: لا أحد أشدّ ظلمًا من الكاذبين، وأقبح افتراءً من المفترين ممن كذب على الله سبحانه، فزعم أنّ له ولدًا أو شريكًا أو صاحبةً، وفي "بحر العلوم": فيه دلالة بينة على أن الاختصام واقعٌ يوم القيامة بين الظالمين والمظلومين.
والمعنى: أظلم كل ظالم من الكاذبين من افترى على الله سبحانه، بأن أضاف إليه الشرك والولد. {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ} وهو الحق؛ أي: بالأمر الذي هو عين الحقّ ونفس الصدق، وهو كل ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من التوحيد، والأوامر والنواهي والبعث والنشور والثواب والعقاب. {إِذْ جَاءَهُ} ذلك الصدق على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: فاجأَه بالتكذيب ساعة مجيئه، وأوّل ما سمعه من غير تدبّر فيه ولا تأمّل.
والمعنى: أي لا أحد من الكاذبين يبلغ ظلمهُ ظلم من افترى على الله الكذب، فجعل معه آلهة أخرى، أو ادَّعى أنّ الملائكة بنات الله، وهو أيضًا كذّب بالحق الذي جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، من دعاء الناس إلى التوحيد، وأمرهم بالقيام بفرائض الشرع، ونهيهم عن محرّماته، وإخبارهم بالبعث والنشور، وفي قوله:{إِذْ جَاءَهُ} بيان بأنهم كذّبوا به من غير وقفة ولا إعمال روية في التمييز بين الحقّ والباطل، كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون.
وبعد أن ذكر حالهم .. أردفه بذكر وعيدهم على طريق الاستفهام الإنكاري، فقال:{أَلَيْسَ} لهؤلاء المفترين على الله سبحانه، المكذبين بالصدق حين جاءهم، {فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى}؛ أي: منزل ومسكن في نار جهنم، وقوله:{لِلْكَافِرِينَ} إظهار في مقام الإضمار.
والاستفهام (١) في {أَلَيْسَ} إنكاري، وإنكار النفي نفي له، ونفي النفي إثبات.