٣٢ - {قُلْ} يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يطوفون بالبيت عراة {مَنْ حَرَّمَ}؛ أي: من الذي حرم عليكم {زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ} ـها وخلقها {لِعِبادِهِ} من النبات كالقطن والكتان، ومن الحيوان كالحرير والصوف، ومن المعادن كالدروع {وَ} من الذي حرم عليكم {الطَّيِّباتِ}؛ أي: المستلذات {مِنَ الرِّزْقِ}؛ أي: من المآكل والمشارب، والاستفهام فيه إنكاري توبيخي؛ أي: لا أحد حرم عليكم أن تتزينوا بها، وتلبسوها في الطواف وغيره، ولا أن تأكلوا المستلذات من الرزق في الحج وغيره.
ومعنى إخراج الله للزينة (١): خلق موادها، وتعليم طرق صنعها بما أودع في فطرهم من حبها، والميل إلى الافتتان في استعمالها؛ إذ خلقهم مستعدين لإظهار آياته في جميع ما خلق في هذا العالم الذي يعيشون فيه بما أودع في غرائزها من الميل إلى البحث في كشف المجهول، والاطلاع على خفايا الأمور، فهم لا يدعون شيئا عرفوه بحواسهم أو عقولهم حتى يبحثوه من طرق شتى، وأوجه لا نهاية لها، ولم تنتهي بحوثهم ما دام الإنسان على ظهر البسيطة.
وغريزة حب الزينة، وحب التمتع بالطيبات كانت من أهم الأسباب في اتساع أعمال الفلاحة والزراعة، ورقي ضروب الصناعة، واتساع وسائل العمران، ومعرفة سنن الله وآياته في الأكوان، وهما لا يذمان إلا بالإسراف فيهما، والغفلة عن شكر المنعم بهما.
والخلاصة:
أن الدين لم يحرمهما إلا إذا كانا عائقين عن الكمال الروحي، والكمال الخلقي، وأنه لم يجعل تركهما قربة إلى الله كما جرى على ذلك الوثنيون من البراهمة وغيرهم، وقلدهم في ذلك بعض المسلمين، وصاروا يبثون في الأمم الإسلامية تعاليم تقضي بأن روح الدين ومخ العبادة في التقشف، وحرمان النفس من التمتع بلذات الحياة. وقد بين الله سبحانه وتعالى وجه