للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لمبتدعاته، الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة. وناسب (١) تقديم الوصف بالعلم على تقديم الوصف بالحكمة؛ لأنه المتصل به في قوله: {وَعَلَّمَ} {أَنْبِئُونِي} {لا عِلْمَ لَنا} فالذي ظهرت به المزية لآدم والفضيلة، هو العلم، فناسب ذكره متصلا به؛ ولأنّ الحكمة إنما هي آثار العلم، وناشئة عنه، ولذلك أكثر ما جاء في القرآن تقديم الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة؛ وليكون آخر مقالهم مخالفا لأوله، حتى يتبين رجوعهم عن قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيها} وفي هذا الجواب (٢) منهم، إيذان بأنهم رجعوا إلى ما كان يجب عليهم أن لا يغفلوا عن مثله، من التفويض إلى واسع علم الله وعظيم حكمته، بعد أن تبيّن لهم ما تبيّن، وإيماء إلى أنّ الإنسان ينبغي له أن لا يغفل عن نقصانه، وعن فضل الله عليه وإحسانه، ولا يأنف أن يقول لا أعلم إذا لم يكن يعلم، ولا يكتم الشيء الذي يعلم.

وقال العلماء: قول الشخص لا أدري نصف العلم، وسئل (٣) أبو يوسف القاضي عن مسألة؟ فقال: لا أدري، فقالوا له: ترتزق من بيت المال كلّ يوم كذا وكذا، ثم تقول لا أدري، قال: إنما أرتزق بقدر علمي، ولو أعطيت بقدر جهلي لم يسعني مال الدنيا، وحكي: أن عالما سئل عن مسألة وهو فوق المنبر؟ فقال:

لا أدري، فقيل له: ليس المنبر موضع الجهّال، فقال: إنما علوت بقدر علمي ولو علوت بقدر جهلي لبلغت السماء.

٣٣ - وقوله: {قالَ} الله سبحانه وتعالى لآدم كلام مستأنف أيضا {يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ}؛ أي: أخبر الملائكة وأعلمهم {بِأَسْمائِهِمْ} التي عجزوا عن علمها، واعترفوا بالقصور عن بلوغ مرتبتها؛ أي: أخبرهم بأسماء هؤلاء المسمّيات، فسمّى لهم كل شيء باسمه حتى القصعة والقصيعة، وبين لهم أحوال كل من المسميات، وخواصّه، وأحكامه المتعلقة بالمعاش، والمعاد.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.