للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنه، فيسئل النَّاكث، ويعاقب عليه يوم القيامة؛ أي: إنّ الله سبحانه وتعالى سائل ناقض العهد عن نقضه إيَّاه، فيقال للناكث على سبيل التبكيت والتوبيخ: لم نكثت عهدك، وهلا وفيت به؟ كما يقال لوائد الموءودة بأيّ ذنب قتلت؟ وقوله تعالى لعيسى عليه السلام: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ} والمخاطبة لعيسى والإنكار على غيره، أو مطلوبًا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به

٣٥ - {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ}. أي: أتمّوه، ولا تخسروه {إِذا كِلْتُمْ} لغيركم؛ أي (١): وقت كيلكم للمشترين، وتقييد الأمر بذلك، لأن التطفيف هناك، وأمّا وقت الاكتيال على النّاس، فلا حاجة إلى الأمر بالتّعديل قال تعالى: {إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} فالخطاب فيه للبائعين، وأخذ من هذا بعضهم أنّ أجرة الكيال على البائع؛ لأنها من تمام التسليم، وكذلك عليه أجرة النقّاد للثمن، وهو كذلك كما هو مقرر في الفروع اهـ شيخنا.

والمعنى: أي وأتموا الكيل للناس، ولا تخسروهم، إذا كلتم لهم حقوقهم من قبلكم، فإن كلتم لأنفسكم فلا جناح عليكم إن نقصتم عن حقكم، ولم تفوا الكيل {وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ}؛ أي: وزنوا بالميزان المعتدل بحيث لا يميل إلى أحد الجانبين، فيقع الجور، أو الحيف لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات، والبيع والشراء، ومن ثم بالغ الشارع في المنع من التطفيف، والنقصان سعيًا في إبقاء الأموال لأربابها، والقسطاس هو كل (٢) ما يوزن به صغيرًا كان أو كبيرًا، من ميزان الدّرهم إلى ما هو أكبر منه، وقيل هو القبان.

وقرأ ابن كثير (٣)، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر {القسطاس} بضم القاف، وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم بكسر القاف، وقرأت فرقة بالإبدال من السين الأولى صادًا.

{ذلِكَ}؛ أي: إيفاؤكم بالعهد، وإيفاؤكم من تكيلون له، ووزنكم بالعدل، لمن توفون له {خَيْرٌ} لكم في الدنيا من نكثكم وبخسكم في الكيل والوزن، لأن


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.