وفي الآية عظة وعبرة لمن يتأمل من عباد الشهوات، الذين لا يقصدون من الزوجية إلا التمتع باللذات الحيوانية، دون مراعاة أهم أسس الحياة الزوجية التي ذكرها الله تعالى في قوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، ولا يلاحظون أمر النسل وصلاح الذرية، هؤلاء السفهاء الذواقون الذين يكثرون من الزواج ما استطاعوا، ولا باعث لهم إلا حب التنقل، والملل من السابقة، ولا يخطر لهم أمر العدل في بال، عليهم أن يتقوا الله تعالى، ويفكروا في ميثاق الزوجية، وفي حقوقها المؤكدة، وفي عاقبة نسلهم، وشؤون ذريتهم، وفي حال أمتهم التي تتألف من هذه البيوت المبنية على أسس الشهوات والأهواء، وفي حال ذريتهم التي تنشأ بين أمهات متعاديات.
١٣٠ - ثم بين الله سبحانه وتعالى أن الفراق قد يكون فيه الخير إذا لم يمكن الوفاق، فقال:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا}؛ أي: وإن يتفرق الزوجان اللذان يخافان أن لا يقيما حدود الله، بأن كره الرجل امرأته لدمامتها أو كبرها، وأراد أن يتزوج غيرها، أو كان عنده زوجتان ولم يقدر على العدل بينهما .. {يُغْنِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {كُلًّا} منهما عن صاحبه {مِنْ سَعَتِهِ}؛ أي: بسعة فضله، ووافر إحسانه وجوده، فقد يسخر للمرأة رجلًا خيرًا منه، كما يهيء له امرأة أخرى، تحصنه وترضيه وتقوم بشؤون بيته وأولاده، ويكون عيشه أهنأ من عيشه الأول بفضله تعالى، ولن يكون كل منهما جديرًا بعناية الله تعالى وإغنائه عن الآخر إلا إذا التزما حدود الله، بأن اجتهدا في الوفاق والصلح، وظهر لهما بعد التفكير والتروي في الأسباب أنه غير مستطاع، فافترقا وهما حافظان لكرامتهما عما يجعلهما عرضة للنقد ونهش العرض، فإن ذلك مما يرغب الناس فيهما، لما يرونه فيهما من الأخلاق الفاضلة وعدم التلاحي والتنابذ والتهاجي واختلاق الأكاذيب، فالرجل ذو الخلق الكريم إذا علم أن امرأة اختلفت مع بعلها لأنها لم تقبل أن تعيش مع من يعرض عنها، أو يترفع عليها، بل أحبت أن تعيش معه بطريق عادلة .. رأى فيها أفضل صفات الزوجية، وكذلك كرائم النساء وأولياؤهن يرغبون في الرجل إذا علموا أنه يمسك المرأة بمعروف، أو يسرحها بإحسان، ولا