للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يطاق، ويسارع إلى رضي الله تعالى بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وترك الاستهزاء بالدين وأهله بأحكام الله، ووعده، ووعيده، فإن الله صادق في قوله، حكيم في فعله، وليس للعبد إلا تعظيمه وتعظيم أمره.

٤٨ - ثم أكد ما ذكره من عدم إخلاف الوعد وإن طال الأمد، فقال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ}؛ أي: وكثير من أهل قرية {أَمْلَيْتُ لَهَا}؛ أي: أمهلتها بتأخير العذاب، كما أمهلت لهؤلاء {وَهِيَ ظَالِمَةٌ}؛ أي: والحال أنها ظالمة مستوجبة لتعجيل العقوبة لها، كدأب هؤلاء {ثُمَّ أَخَذْتُهَا} وأهلكتها بالعذاب بعد طول الإمهال. {وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}؛ أي: إلى (١) حكمي ومجازاتي مرجع الكل، لا إلى أحد غيري، لا استقلالًا ولا شركة، فأفعل بهم ما أفعل مما يليق بأعمالهم. وفيه إشارة إلى أن الإمهال يكون من الله تعالى، والإهمال لا يكون منه، فإنه يمهل ولا يهمل، ويدع الظالم في ظلمه، ويوسع له الحبل، ويطيل به المهل، فيتوهم أنه يفلت من قبضة التقدير، وذلك ظنه الذي أراد. ويأخذه من حيث لا يرتقب، فيعلوه ندامة ولات حينه. وكيف يستبقي بالحياة ما حق في التقدير عدمه، وإلى الله مرجعه، فالظلم من العبد سبب للأخذ من الله، فلا يلومن إلا نفسه.

وجملة قوله: {وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} تذيلية، ذكرت لتقرير ما قبلها. والمعنى؛ أي: وكم (٢) من قرية أخرت إهلاكها مع استمرارها على ظلمها، فاغترت بذلك التأخير، ثم أنزلت بها بأسي، وشديد انتقامي، وحسابها بعد مدخر ليوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولا يخفى ما في هذا من شديد الوعيد، وعظيم التهديد.

فائدة: فإن قلت (٣): لم كرر التكثير بكأين من القرى؟

قلت: لا تكرار فيه؛ لأن الثانية أفادت غير ما أفادت الأولى؛ لأنه ذكر في الأولى القرية التي أهلكها بدون إملاء وإمهال، بل أعقب الإهلاك بعد التذكير.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط بتصرف.