حديث الأعرابي: هل علي غيرها؟ قال:«لا إلا أن تطوع».
والقول الثاني: أنه أمر ندب واستحباب، فتكون الآية محكمة، وقال سعيد بن جبير كان هذا حقا يؤمر بإخراجه في ابتداء الإسلام، ثم صار منسوخا بإيجاب العشر، ولقول ابن عباس: نسخت آية الزكاة كل صدقة في القرآن، واختار هذا القول الطبري وصححه، واختار الواحدي والرازي القول الأول وصححاه.
{وَلا تُسْرِفُوا}؛ أي: لا تجاوزوا أيها المؤمنون الحد في الإعطاء والبخل حتى تمنعوا الواجب من الصدقة، أو تعطوا كله، وروي أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمس مئة نخلة فجذها، ثم قسمها في يوم واحد، ولم يرجع منها إلى منزله بشيء، فأنزل هذه الآية:{وَلا تُسْرِفُوا} وقد جاء في الخبر «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول»، أو المعنى: كلوا مما رزقكم من غير إسراف في الأكل كما قال في آية أخرى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
والإسراف مجاوزة الحد، والحد الذي ينهى الله سبحانه عن مجاوزته؛ إما شرعي: كتجاوز الحلال من الطعام والشراب وما يتعلق بهما إلى الحرام، وإما فطري طبيعي: وهو تجاوز حد الشبع إلى البطنة الضارة. {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}؛ أي: المجاوزين الحد الذي شرعه في كل شيء، ففيه وعيد وزجر عن الإسراف في كل شيء؛ لأن من لا يحبه الله فهو من أهل النار.
١٤٢ - {وَ} هو - سبحانه وتعالى - الذي أنشأ وخلق لكم {مِنَ الْأَنْعامِ} الثلاثة الإبل والبقر والغنم {حَمُولَةً}؛ أي: ما يحمل الأثقال. وقرأ عكرمة وأبو المتوكل وأبو الجوزاء:{حُمولة} - بضم الحاء -. {وَفَرْشًا}؛ أي: ما يفرش للذبح، أو ما ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش، أو المعنى: هو الذي أنشأ لكم من الأنعام حمولة؛ أي: كبارا منها تصلح للحمل كالإبل {وَفَرْشًا}؛ أي: صغارا مثل الفصلان الدانية من الأرض لصغر أجرامها كالفرش المفروش عليها {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: كلوا بعض ما رزقكم الله، وهو