١٢٠ - {إنَّ إِبْرَاهِيمَ} الخليل عليه السلام {كَانَ} على انفراده {أُمَّةً} لكماله في صفات الخير، وجمعة الفضائل، وهو رئيس أهل التوحيد، ولأنه كان مؤمنًا وحده، والناس كلهم كانوا كفارًا، والأمة في الأصل الجماعة الكثيرة، وسمي إبراهيم أمة لأنه قد جمع من الفضائل والكمالات ما لو تفرق لكفى لأمةٍ، ألا ترى أبا نواس إذ يقول لهارون الرشيد مادحًا:
وَلَيْس عَلَى الله بِمُسْتَنْكَرٍ ... أَنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فيْ وَاحِدِ
فالله سبحانه وتعالى مدح عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء بجملةٍ من صفات الكمال:
١ - أنه وحده كان أمة، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - إنه كان عنده عليه الصلاة والسلام من الخير ما كان عند أمة، فهو رئيس الموحدين كسر الأصنام، وجادل الكفار، ونظر في النجوم، ودرس الطبيعة الكونية، ليطمئن قلبه بالإِسلام.
٢ - أنه كان {قَانِتًا}؛ أي مطيعًا {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى قائمًا بأمره.
٣ - أنه كان {حَنِيفًا}؛ أي: مائلًا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق، متبعًا له لا يفارقه ولا يحيد عنه.
٤ - أنه عليه السلام {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} في أمر من أمور دينهم، بل كان من الموحدين في الصغر والكبر، فهو الذي قال للملك في عصره:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}، وهو الذي أبطل عبادة الأصنام والكواكب بقوله:{لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} وكسر الأصنام، حتى ألقوه لأجلها في النار فكانت عليه بردًا وسلامًا.
وبالجملة: فقد كان غارقًا في بحار التوحيد، مستغرقًا في حب الإله المعبود، وفي ذلك رد على كفار قريش، إذ قالوا: نحن على ملة إبراهيم، وعلى اليهود الذين أشركوا وقالوا: عزير ابن الله، مع زعمهم أنَّ إبراهيم كان على مثل ما هم عليه، ونحو الآية قوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا