للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الالتفات، وتطييب القلوب في مقاساة الشدائد في الله، بأن لها ثمرات كريمة عند الله تعالى. وإذا علم العبد، أن ألمه آت من الحق، هان عليه ما يقاسه، لا سيما إذا كان في الله، كما في «التأويلات النجمية». قال بعضهم: ليخفف ألم البلاء، علمك بأن الله هو المبتلي.

قال في «برهان القرآن» قوله: {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ} هنا، وفي يونس: {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} تشابها (١) في الوقف على لفظة {قَوْلُهُمْ} في السورتين؛ لأن الوقف عليه لازم. و {إن} فيهما مكسورةً في الابتداء لا في الحكاية، ومحكي القول فيهما محذوف. ولا يجوز الوصل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منزه عن أن يخاطب بذلك، انتهى.

٧٧ - وجملة قوله: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ} مستأنفة (٢) مسوقة لبيان إقامة الحجة، على من أنكر البعث، وللتعجيب من جهله. فإن مشاهدة خلقهم في أنفسهم، على هذه الصفة من البداية إلى النهاية .. مستلزمة للاعتراف بقدرة القادر الحكيم، على ما هو دون ذلك من بعث الأجسام، وردها كما كانت، والإنسان المذكور في الآية، المراد به جنس الإنسان، كما في قوله: {أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧)} ولا وجه لتخصيصه بإنسان معين، كما قيل: إنه عبد الله بن أبي، وأنه قيل له ذلك لما أنكر البعث. وقال الحسن: هو أمية بن خلف. وقال سعيد بن جبير: هو العاص بن وائل السهمي. وقال قتادة، ومجاهد: هو أبي بن خلف الجمحي، فإن أحد هؤلاء وإن كان سببًا للنزول، فمعنى الآية: خطاب الإنسان من حيث هو لا إنسان معين، ويدخل من كان سببًا للنزول تحت جنس الإنسان دخولًا أوليًا. والنطفة هي اليسير من الماء. وقيل: هي الماء الصافي، ويعبر بها عن ماء الرجل.

والهمزة في قوله: {أَوَلَمْ يَرَ} للاستفهام التقريري المضمن للتعجب، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، والواو: عاطفة على ذلك المقدر، والرؤية قلبية،


(١) برهان القرآن.
(٢) الشوكاني.