للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الزاي، وهي لغة قريش. وقرأ نافع: بضم الياء وكسر الزاي. وهي لغة بني تميم. وهما لغتان، يقال: حزنه وأحزنه.

والمعنى (١): أي فلا يحزنك أيها الرسول، قول هؤلاء المشركين من قومك: إنك شاعر، وما جئتنا به شعر، ولا تكذيبهم بآيات الله وجحودهم نبوتك. ثم ذكر أنه، سيجازيهم على ما يضمرون في أنفسهم، ويتفوهون بألسنتهم. فقال: {إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ}؛ أي: إنا نعلم أن الذي يدعوهم إلى قول ذلك، إنما هو الحسد، وأنهم يعقدون أن الذي جئتهم به ليس بشعر، ولا يشبه الشعر، وأنك لست بكذاب.

والخلاصة: أنّا نعلم ما يسرون من معرفتهم، حقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحود ذلك بألسنتهم علانية، وسنجزيهم وصفهم، ونعاملهم بما يستحقون، يوم يجدون جليل أعمالهم وحقيرها حاضرًا لديهم. وجملة قوله: {إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} تعليل لما قبله من النهي عن الحزن. فإن علمه سبحانه بما يسرون وما يعلنون، مستلزم للمجازاة لهم بذلك، وأن جميع ما صدر منهم، لا يعزب عنه، سواء كان خافيًا أو باديًا سرًا أو جهرًا مظهرًا أو مضمرًا وتقديم (٢) السر على العلن، إما للمبالغة في بيان شمول علمه تعالى، لجميع المعلومات، كأن علمه تعالى، بما يسرون، أقدم منه بما يعلنون، مع استوائهما في الحقيقة. فإن علمه تعالى، بمعلوماته، ليس بطريق حصول صورها، بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى. وفي هذا المعنى، لا يختلف الحال بين الأشياء البارزة والكامنة. وإما لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن، إذ ما من شيء يعلن إلا وهو. أو مبادية مضمر في القلب قبل ذلك، فتعلق علمه بحالته الأولى، متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقةً.

وفي الآية: إشارة إلى أن كلام الأعداء، الصادر من العداوة والحسد، جدير بأن يحزن قلوب الأنبياء، مع كمال قوتهم، وأنهم ومتابعيهم مأمورون بعدم


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.