للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القتيبي: إنَّ الله عدد في هذه السورة نعماءه، وذكر خلقه آلاءه. ثم أتبع كل خلة وضعها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم، ويقررهم بها، كما تقول لمن تتابع له إحسانك وهو يكفره: ألم تكن فقيرًا فأغنيتك ... إلخ.

ويسن لسامع القارىء لهذه السورة أن يجيبه كلما قرأ هذه الآية (١). وهي مكررة في أحد وثلاثين موضعًا بأن يقول: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقر الجن على ذلك الجواب فيما روي عن جابر رضي الله عنه: أنه قال: قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة الرحمن حتى ختمها، قال: "ما لي أراكم سكوتًا، لَلجن كانوا أحسن منكم ردًّا ما قرأت عليهم هذه الآية مرة {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)} إلَّا قالوا ولا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد". أخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب.

١٤ - ولما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير وهو السماء والأرض وما فيهما ذكر العالم الصغير, فقال: {خَلَقَ} الله سبحانه وتعالى {الْإِنْسَانَ}؛ أي: آدم. فالمراد بالإنسان هنا: آدم. قال القرطبي باتفاق من أهل التأويل: ولا يبعد أن يراد (٢) الجنس لأن بني آدم مخلوقون في ضمن خلق أبيهم آدم. {مِنْ صَلْصَالٍ} أي: من طين يابس له صلصلة؛ أي: صوت إذا نقر لشدة يبسه. وقيل: هو طين خلط برمل. وقيل: هو الطين المنتن. {كَالْفَخَّارِ}؛ أي: شبيه بالخزف الذي طبخ بالنار في صوته إذا نقر، كأنه (٣) صور بصورة من يكثر التفاخر، أو لأنه أجوف. وقد خلق الله آدم عليه السلام من تراب جعله طينًا، ثم حمأً مسنونًا، ثم صلصالًا، ثم صب عليه ماء الأحزان، فلا ترى ابن آدم إلا ويكابد حزنًا.

والمعنى: أنه خلق الإنسان من طين يشبه في يبسه الخزف.

فإن قلت (٤): كيف قال ذلك هنا، وقال في الحجر: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) أي: من طين أسود متغير، وقال في الصافات: {مِنْ طِينٍ لَازِبٍ}؛ أي: لازم يلصق باليد، وقال في آل عمران: {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}؟


(١) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) متشابه القرآن.