للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥٧ - وبعد أن ذكر ما لهم فيها من مجالس الأنس، ذكر ما يتمتعون به من مآكل، ومشارب، ولذات جسمانية وروحية. فقال: {لَهُمْ}؛ أي: لأصحاب الجنة {فِيها}؛ أي: في الجنة {فاكِهَةٌ} كثيرة من كل نوع من أنواع الفواكه. وهذه (١) الجملة، مسوقة لبيان ما يتمتعون به في الجنة، من المآكل والمشارب، ويتلذذون به من الملاذ الجسمانية والروحية، بعد بيان ما لهم فيها من مجالس الأنس، ومحافل القدس تكميلًا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة. والفاكهة: الثمار كلها. والمعنى: لهم في الجنة غاية مناهم فاكهة كثيرة، من كل نوع من أنواع الفواكه، عظيمة لا توصف جمالًا وبهجة، وكمالًا ولذةً، كما روي: أن الرمانة منها تشبع السكن، وهو أهل الدار. والتفاحة تنفتق عن حوراء عيناء. وكل ما هو من نعيم الجنة، فإنما يشارك نعيم الدنيا في الاسم دون الصفة. وفيه إشارة إلى أن لا جوع في الجنة؛ لأن التفكه لا يكون لدفع ألم الجوع.

وجملة قوله: {وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ}؛ أي: يطلبون. معطوفة على الجملة السابقة، وعدم الاكتفاء بعطف {ما يَدَّعُونَ} على {فاكِهَةٌ} لئلا يتوهم كون {ما} عبارة عن توابع الفاكهة وتتماتها. و {ما} عبارة عن مدعو عظيم الشأن، معين، أو مبهم. و {يَدَّعُونَ} أصله: يدتعيون على وزن يفتعلون، من الدعاء بمعنى الإتيان بالدعوى، لا من الادعاء بمعنى التمني، كما سيأتي.

والمعنى: ولهم ما يدعون الله سبحانه به، لأنفسهم من مدعو عظيم الشأن، أو كل ما يدعون به كائنًا ما كان، من أسباب البهجة وموجبات السرور. قال ابن الشيخ؛ أي: ما يصح أن يطلب فهو حاصل لهم قبل الطلب، كما قال الإمام: ليس معناه: أنهم يدعون لأنفسهم شيئًا، فيستجاب لهم بعد الطلب بل معناه: لهم ذلك، فلا حاجة إلى الدعاء، كما إذا سألك أحد شيئًا، فقلت: لك ذلك، وإن لم تطلبه. ويجيء الادعاء بمعنى: التمني من قولهم: ادع علي ما شئت، بمعنى: تمنه علي. فالمعنى عليه: ولهم ما يتمنونه. وقرىء (٢) {يدعون} بالتخفيف،


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.