للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التفسير وأوجه القراءة

١٦٩ - {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: ولا تظنن يا محمَّد، أو أيها السامع لقول المنافقين الذين ينكرون البعث، أو يرتابون، فيؤثرون الدنيا على الآخرة، كون الذين استشهدوا في سبيل الله، لإعلاء دينه، {أَمْوَاتًا} قد فقدوا الحياة، وصاروا عدمًا لا يحسون، ولا يتنعمون {بَلْ} هم {أَحْيَاءٌ} في عالم آخر غير هذا العالم هو خيرٌ للشهداء، لما فيه من الكرامة، والشرف مكرمون {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} من نعيم الجنة غدوًّا وعشيًّا، كما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنَّ أرواحهم في أجواف طيور خضر، وأنهم يرزقون، ويتنعمون من ثمار الجنة يجدون ريحها، وليسوا فيها" وهذه الحياة (١) التي أثبتها القرآن الكريم للشهداء حياة محققة غيبية عنا لا ندرك حقيقتها، ولا نزيد على ما جاء به الوحي. قوله: {يُرْزَقُونَ} تأكيد لكونهم أحياءً، وتحقيق لهذه الحياة.

وقرأ الجمهور (٢) {وَلَا تَحْسَبَنَّ} بالتاء، والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لكل سامع، وقرأ حميد بن قيس، وهشام بخلاف عنه {ولا يحسبن} بالياء؛ أي: لا يحسبن حاسبٌ أيًّا كان.

وقد اختلف (٣) أهل العلم في الشهداء المذكورين في هذه الآية، من هم؛ فقيل: شهداء أحد، وقيل: شهداء بدر، وقيل: شهداء بئر معونة، وعلى فرض أنها نزلت في سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب. وقرأ الحسن (٤) وابن عامر {قُتِّلُوا} بالتشديد، وروي عن عاصم {قاتلوا} وقرأ الجمهور {قُتِلُوا} مخففًا، وقرأ الجمهور {بَلْ أَحْيَاءٌ} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوت تقديره: بل هم أحياء. وقرأ ابن أبي عبلة {أَحْيَاءً} بالنصب على تقدير فعل؛ أي: بل أحسبهم أحياءً، كما قاله الزمخشري، وتبعه الزجاج.

١٧٠ - قوله: {فَرِحِينَ} حالٌ من الضمير في {يُرْزَقُونَ} و {بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.