يؤذونه، وينفرون الناس عنه. وكانوا يحذرون صبيانهم أن يسمعوا منه، وكانوا يضربونه عليه السلام، حتى لا يكون به حراك. وما أثرت فيهم دعوته قريبًا من ألف سنة، وما آمن معه إلا قليل.
والمعنى: أي وأهلكنا قوم نوح من قبل عاد وثمود، وكانوا أظلم وأطغى من الفريقين، أو أظلم وأطغى من جميع الفرق الكفرية، أو أظلم وأطغى من مشركي العرب. وإنما كانوا أظلم لأنهم بدؤوا بالظلم. وفي الحديث:"من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها". لأنهم أول من كذب الرسل.
وقد كان الرجل منهم يأخذ بيد ابنه؛ ويمشي به إلى نوح، ويحذره منه، ويقول: يا بني إن أبي مشى بي إلى هذا الرجل، وأنا مثلك يومئذٍ، ويقول: فإياك أن تصدقه، فيموت الكبير على الكفر، وينشأ الصغير على وصية أبيه، لا يتأثر من دعوة نوح له. وكانوا أطغى؛ أي: أكثر طغيانًا وتمردًا على الله، وأكثر تجاوزًا للحد؛ لأنهم سمعوا المواعظ، وطال عليهم الأمد، ولم يرتدعوا، حتى دعا عليهم نبيهم بقوله:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}.
٥٣ - وقوله:{وَالْمُؤْتَفِكَةَ} منصوب عطفًا على {عَادًا}؛ أي: وأنّه أهلك المؤتفكة، أي: قرى قوم لوط عليه السلام. سميت مؤتفكة لأنها ائتفكت بأهلها؛ أي: انقلبت بهم. وقيل: هو منصوب بقوله: {أَهْوَى}؛ أي: أسقطها الله إلى الأرض مقلوبة بعد أن رفعها على جناح جبريل إلى السماء. وقال الزجّاج: ألقاها في الهاوية.
٥٤ - {فَغَشَّاهَا}، أي: فغشى الله سبحانه المؤتفكة، وغطاها، وألبسها {مَا غَشَّى}؛ أي؛ ما غشاها؛ أي: ما ألبسها من فنون العذاب، والحجارة الذي وقعت عليها. وفي هذه العبارة من التهويل والتفظيع ما لا غاية وراءه.
وقوله (١): {مَا غَشَّى} مفعول ثان إن قلنا: إن التضعيف للتعدية، أي: ألبس الله سبحانه المؤتفكة ما ألبسها إياه من العذاب كالحجارة المنضودة المسوّمة، فمفعولا الفعل الأول مذكوران، والثاني محذوفان. وإن قلنا: إنه للمبالغة والتكثير هو فاعل كقوله: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}.