للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قد جهلوا سنن الله التي وضعها في شؤون الاجتماع، فلا هم اهتدوا إليها بعقولهم، ولا هم صدقوا الرسل فيما أنذروهم به، ونحو هذه الآية قوله تعالى في سورة الأنعام: {فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤)}.

فالكافرون إذا مسهم الشر .. يئسوا وابتأسوا، وإذا مسهم الخير .. بطروا واستكبروا وبغوا في الأرض، وأهلكوا الحرث والنسل، والمؤمنون بالله وما جاء به رسله تكون الشدائد والمصائب تربية لهم وتمحيصا.

ولما ترك (١) المسلمون هدى القرآن في حكوماتهم ومصالحهم العامة، في أعمال الأفراد .. سلبهم الله ما أعطاهم من أنواع العلم والحكمة، واتبعوا سنن من قبلهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، فاتبعوا أهل الكتاب في خرافاتهم وحفلهم، وتقليد آبائهم وأجدادهم، فغشيهم الجهل والثابتة منهم قلدوا الإفرنج في الفسق والفجور، وشر ما وصلوا إليه في طور فساد حضارتهم، وقلدوهم حتى فيما لا يوافق أحوالهم وبلادهم ومصالحهم.

٩٦ - {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى} الذين أهلكناهم {آمَنُوا} بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر {لَفَتَحْنا}؛ أي: لبسطنا {عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ} بالمطر {وَ} بركات من {الْأَرْضِ} بالنبات، والثمار، والحبوب، والمواشي، والأمن، والسلامة؛ أي: لوسعنا عليهم الخيرات من فوقهم ومن تحتهم، ومن كل الجوانب من النعم التي لم يروا مثلها قط. وقال (٢) السدّي: المعنى: لفتحنا عليهم أبواب السماء والأرض بالرزق، وقيل: بركات السماء إجابة الدعاء، وبركات الأرض تيسير الحاجات. وقيل: البركات النمو والزيادة، فمن السماء بجهة المطر والريح والشمس والقمر، ومن الأرض بجهة النبات والحفظ لما نبت؛ وذلك لأنّ السماء تجري مجرى الأب، والأرض تجري مجرى الأم،


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.