{ذَلِكَ} الذي أعطيناه هؤلاء المتقين من الكرامة {هُوَ الْفَوْزُ} والظفر بما كانوا يطلبون إدراكه في الدنيا بأعمالهم، وطاعتهم لربهم، واتقائهم إياه فيما أمتحنهم به من الطاعات، واجتنابهم للمحرمات؛ أي: ذلك هو الفوز {الْعَظِيمُ} الذي لا فوز وراءه، إذ هو خالص من جميع المكاره، وجامع لكل المطالب. يقول الفقير: لما كان الموت وسيلةً لهذا الفوز، وبابًا له .. ورد الموت تحفة المؤمن، والموت وإن كان من وجه هلكًا فمن وجه فوز، ولذلك قيل: ما أحد إلا والموت خير له، أما المؤمن فإنما كان الموت خيرًا له؛ لأنه يتخلص به من السجن، ويصل إلى النعيم المقيم في روضات الجنات، وأما العاصي فلأن الإمهال في الدنيا سبب لازدياد المعاصي والإثم، كما قال تعالى:{إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} وهو سبب لازدياد العذاب.
٥٨ - ولما أتم المقاصد التي أراد ذكرها في هذه السورة، لخصها بقوله:{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} فهذه (١) الآية فذلكة للسورة الكريمة، ونتيجة لها، واللسان آلة التكلم في الأصل، واستعير هنا لمعنى اللغة، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لسان أهل الجنة العربية"؛ أي: إنما يسرنا الكتاب المبين، وسهلنا قراءته عليك، حيث أنزلناه بلسانك ولغة قومك {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}؛ أي: لكي يفهمهه قومك، ويتذكروا به، وبتعظوا بعظاته، ويعملوا بموجبه، ويتفكروا في آياته إذا تلوتها عليهم، فينيبوا إلى ربهم، ويذعنوا للحق الذي تبينوه، وإذا لم يعملوا بذلك {فَارْتَقِبْ}؛ أي: فانتظر {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ}؛ أي: منتظرون، وفي "عين المعاني": أو فارتقب الثواب فإنهم كالمرتقبين العقاب؛ لأن المسيء ينتظر عاقبةً الإساءة، وعلى كلا التقديرين فمفعول الارتقاب محذوف في الموضعين؛ أي: ولما كان القرآن الكريم مع هذا الوضوح والبيان قد خالف فيه بعض الناس، وعاند
٥٩ - قال تعالى، مسليًا رسوله، وواعدًا له بالنصر، ومتوعدًا من كذبه بالهلاك:{فَارْتَقِبْ}؛