للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يستفزّكم منها، وهي أرض مصر، إن صح أنهم دخلوها بعده، أو الأرض مطلقًا، أو أرض الشام، وهي الأرض المقدّسة التي وعدتم بها {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ}؛ أي: البعث بعد الموت؛ أي: البعث الموعود في الدار الآخرة، {جِئْنا بِكُمْ}؛ أي: أحييناكم، وجئنا بكم من قبوركم إلى المحشر، حالة كونكم {لَفِيفًا}؛ أي: مختلطين أنتم وهم فيختلط جميع الخلق المسلم والكافر، والبر والفاجر، ثمّ نحكم بينكم، ونميز سعداءكم من أشقيائكم.

١٠٥ - {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ}؛ أي: وحالة كون هذا القرآن ملتبسًا بالحق، والحكمة المقتضية لإنزاله، وهي هداية الخلق، وقطع أعذارهم، أنزلناه عليك يا محمد {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}؛ أي: وحالة كونه ملتبسًا بالدين الحق من العقائد الصحيحة، والأحكام الحقة، نزل عليك يا محمد، أو المعنى: وبالحق أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، في ليلة القدر جملة واحدة، وبالحق نزل عليك منجّمًا بحسب الوقائع.

وهذا الكلام (١) مرتبط في المعنى بقوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} الخ، وهذا على أسلوب العرب حيث ينتقلون في كلامهم من سياق المقصود إلى غيره المناسب له، ثمّ يرجعون لما كانوا بصدده اهـ شيخنا، وفي الخطيب أنه معطوف على {وَلَقَدْ صَرَّفْنا} وقيل معنى قوله: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ}؛ أي (٢): وأنزلنا عليك القرآن متضمنًا للحق، ففيه أمر بالعدل، والإنصاف، ومكارم الأخلاق، ونهي عن الظلم والأفعال الذميمة، وذكر براهين الوحدانية، وحاجة الناس إلى الرسل لتبشيرهم، وإنذارهم، وحثهم على صالح الأعمال انتظارًا ليوم الحساب، والجزاء، {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}؛ أي: ونزل إليك محفوظًا محروسًا، لم يشب بغيره، فلم يزد فيه، ولم ينقص (٣)، وقد يكون المراد، ونزل إليك مع الحق، وهو شديد القوى، الأمين المطاع في الملأ الأعلى جبريل عليه السلام، وبعد أن مدح الكتاب، مدح من أنزل عليه، فقال: {وَما أَرْسَلْناكَ} أيها الرسول إلى من أرسلناك


(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.