ومعنى الاستكبار عن قبول الآيات: رفضها كبرا وعنادا لمن جاء بها، كما حدث من رؤساء قريش حين استكبروا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم إماما لهم، إذ رأوا أنفسهم أحق بالرياسة منه؛ لأنهم أكثر منه مالا وأعز نفرا.
والخلاصة: أن جميع الرسل قد بلغوا أممهم أن اتقاءهم لما يفسد فطرتهم من الشرك والمعاصي، وإصلاح أنفسهم بالطاعة يوجب الأمن وعدم الخوف مما يتوقع، وعدم الحزن على ما وقع منهم في الدار الأولى، وأن تكذيب ما جاؤوا به من الآيات والاستكبار عن اتباعها يترتب عليه المكث في نار جهنم خالدين فيها أبدا كفاء ما فعلوا من التمرد وعصيان أوامر الديان.
٣٧ - والاستفهام في قوله:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنكاري}؛ أي: لا أحد أظلم وأقبح وأشنع ممن افترى واختلق على الله الكذب بأن أوجب على عباده من العبادات ما لم يوجبه، أو حرم عليهم من الدين ما لم يحرمه، أو عزا إلى دينه أحكاما لم تنزل على رسله، أو بنسبة الشريك والولد إليه {أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ} المنزلة عليهم سواء أكان بالقول، أو بما هو أدل منه كالاستهزاء بها، أو الاستكبار عن اتباعها، أو بتفضيل غيرها عليها.
{أُولئِكَ} المفترون المكذبون بآيات الله {يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ}؛ أي يصيبهم، ويوفى لهم نصيبهم وحظهم من الكتاب؛ أي: من الأعمار والأرزاق المكتوبة لهم في اللوح المحفوظ، فهم مع ظلمهم وافترائهم على الله لا يحرمون مما قدر لهم من الأرزاق إلى انقضاء آجالهم تفضلا منه سبحانه وتعالى؛ لكي يصلحوا ويتوبوا، ونحو الآية قوله تعالى:{كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ}، وقوله: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤)}. و {حَتَّى} في قوله: {حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا} غاية (١) لنيلهم نصيبهم واستيفائهم له، وهي حتى التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام هنا الجملة الشرطية، وهي {إِذا جاءَتْهُمْ}: أي: يوفى لهم نصيبهم من الأرزاق والأعمار المكتوبة لهم في اللوح