للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الغدر والخيانة.

{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ}؛ أي: قبلها الإنسان عند عرض تلك الأمانة عليه، والمراد بالإنسان: الجنس، بدليل قوله: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}؛ أي: تكلفها والتزمها مع ما فيه من ضعف البنية، ورخاوة القوة؛ لأن الحمل إنما يكون بالهمة، لا بالقوة.

وقال بعضهم: المراد بالإنسان: آدم عليه السلام. وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: مثلت الأمانة كالصخرة الملقاة، ودعيت السموات والأرض والجبال إليها، فلم يقربوا منها، وقالوا: لا نطيق حملها، وجاء آدم من غير أن يدعى، وحرك الصخرة، وقال: لو أمرت بحملها لحملتها، فقلنا له: احمل، فحملها إلى ركبتيه، ثم وضعها، وقال: لو أردت أن ازداد لزدت، فقلنا له: احمل، فحملها إلى حقوه، ثم وضعها وقال: لو أردت أن ازداد لزدت، فقلنا له: احمل، فحملها حتى وضعها على عاتقه، فأراد أن يضعها، فقال الله: مكانك، فإنها في عنقك، وعنق ذريتك إلى يوم القيامة.

{إِنَّهُ}؛ أي: إن الإنسان {كَانَ ظَلُومًا} لنفسه بمعصية ربه؛ حيث لم يف، ولم يراع حقها. وقيل: المراد بظلمه لها: إتعابه إياها. {جَهُولًا} بكنه عاقبتها. وجملة {إِنَّ} اعتراض وُسِّط بين الحمل وغايته للإيذان من أول الأمر بعدم وفائه بما عهد تحمله؛ أي: إنه كان مفرطًا في الظلم، مبالغًا في الجهل؛ أي: بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة، أو عهودهم يوم الأرواح، دون من عداهم من الذين لم يبدِّلوا فطرة الله، وجروا على ما اعترفوا بقولهم: بلى.

٧٣ - واللام في قوله: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} - الذين ضيعوا الأمانة بعدما قبلوها {وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} - الذين خانوا في الأمانة بعدم قبولها رأسًا - لامُ العاقبة متعلقة بـ {حَمَلَهَا}، وجملة قوله: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} معترضة؛ لأن التعذيب، وإن لم يكن غرضًا له من الحمل، لكان لما ترتب عليه بالنسبة إلى بعض أفراده ترتب الأغراض على الأفعال المعللة بها .. أبرز في معرض الغرض، وهذا إشارة إلى الفريق الأول؛ أي: كان عاقبة حمل الإنسان لها أن يعذِّب الله هؤلاء من أفراده لخيانتهم الأمانة، وخروجهم عن الطاعة بالكلية. قال في "بحر العلوم": ويجوز أن تكون اللام علة لـ {عَرَضْنَا}؛ أي: عرضنا عليه ليظهر نفاق المنافقين، وإشراك