ضرب. والاستفهام على هذا يحتمل أن يكون بمعنى الطلب كأنّ الذين حول ذلك الإنسان طلبوا له طبيبًا يعالجه وراقيًا يرقيه، ويحتمل أن يكون استفهامًا بمعنى الإنكار كما يقال عند الياس: من الذي يقدر أن يرقي هذا الإنسان المشرف على الموت، وهو الظاهر، كما قال الراغب:{مَنْ رَاقٍ}، في؛ أي: من يرقيه تنبيهًا على أنّه لا راقي يرقيه فينجيه. وذلك إشارة إلى نحو ما قال:
وإِذا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنْفَعُ
والتميمة: خرزات، كان العرب يعلقونها على أولادهم خوفًا من العين، وهو باطل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ علق تميمة فقد أشرك"، وإيّاها أراد صاحب هذا البيت المذكور.
وقيل: هو من كلام ملائكة الموت، يقولون: أيكم يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ من الرقي بمعنى الصعود، وفعله من باب علم، وقولنا: ملائكة الرحمة لا يمانعه قوله الآتي: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (٣١)} الآيات؛ لأنّ الضمير فيه لجنس الإنسان فلا يتعين كون المحتضر من أهل النار. وقال الكلبيّ: يحضر العبد عند الموت سبعة أملاك من ملائكة الرحمة وسبعة من ملائكة العذاب مع ملك الموت، فإذا بلغت نفس العبد التراقي نظر بعضهم إلى بعض أيهم يرقى بروحه إلى السماء؟،. فهو قوله:{مَنْ رَاقٍ}. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنّ الملائكة يكرهون القرب من الكافر، فيقول ملك الموت: من يرقى بروح هذا الكافر.
٢٨ - {وَظَنَّ} معطوف أيضًا على {بَلَغَتِ}؛ أي: وأيقن المحتضر الذي بلغت روحه التراقي حين عاين ملائكة الموت {أَنَّهُ الْفِرَاقُ}؛ أي: أن ما نزل به هو الفراق من الدنيا المحبوبة ونعيمها التي ضيع العمر النفيس في كسب متاعها الخسيس. وعبر عما حصل له من المعرفة حينئذٍ بالظن؛ لأن الإنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه، فإنه يطمع في الحياة لشدّة حبه لهذه الحياة العاجلة، ولا ينقطع رجاؤه عنها، فلا يحصل له يقين الموت بل ظنه الغالب على رجاء الحياة.
قال الإمام: هذه الآية تدل على أن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت المعدن؛ لأنَّ الله تعالى سمى الموت فراقًا، والفراق إنما يكون إذا كانت الروح باقيةً، فإن الفراق والوصال صفة، وهي تستدعي وجود الموصوف. قال المزنيّ: