للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التفسير وأوجه القراءة

٣١ - والخطاب في قوله: {يا بَنِي آدَمَ} عام (١) لجميع بني آدم، وإن كان واردا في سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالذي ينبغي للأمة التجمل بالثياب عند حضور مشاهد الخير مع القدرة {يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ}؛ أي: البسوا ثيابكم التي تستر عوراتكم {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}؛ أي: في كل وقت صلاة وطواف، والزينة ما يزين الشيء، أو الشخص، ومعنى أخذها: التزين بها، والمراد بالزينة هنا: الثياب الحسنة كما يدل على ذلك سبب نزول الآيات. وأقل هذه الزينة ما يدفع عن المرء أقبح ما يشينه بين الناس، وهو ما يستر عورته، وهو الواجب لصحة الصلاة والطواف، وما زاد على ذلك من التجمل بزينة اللباس عند الصلاة - ولا سيما صلاة الجمعة والعيد - فهو سنة لا واجب.

ويرى بعض العلماء (٢) وجوب الزينة عند كل مسجد بحسب عرف الناس في تزينهم في المجامع والمحافل؛ ليكون المؤمن حين عبادة ربه مع عباده المؤمنين في أجمل حال، لا تقصير فيها ولا إسراف. أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم .. فليلبس ثوبيه، فإن الله عز وجل أحق من تزين له، فإن لم يكن له ثوبان. فليتزر إذا صلى، ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود».

وأخرج الشافعي وأحمد والبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء».

وعلى الجملة: فالزينة تختلف باختلاف حال الناس في السعة والضيق، فمن عنده ثوب واحد يستر جميع بدنه .. فليستر به جميع بدنه، وليصل به، فإن لم يستر إلا العورة كلها، أو الغليظة منها؛ وهي السوءتان ... فليستر به ما يستره، ومن وجد ثوبين، أو أكثر فليصل بهما.

وهذا (٣) الأمر بالزينة عند كل مسجد أصل من الأصول الدينية والمدنية عند


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.