للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المسلمين، وكان سببا في تعليم القبائل المتوحشة القاطنة في الكهوف والغابات أفرادا وجماعات لبس الثياب عند دخولها في حظيرة الإسلام، وكانوا قبل ذلك يعيشون عراة الأجسام رجالا ونساء حتى ذكر بعض المنصفين من الإفرنج أن لانتشار الإسلام في إفريقية منه على أوروبا بنشره للمدينة بين أهلها؛ إذ ألزمهم ترك العرى، وأوجب لبس الثياب، فكان ذلك سببا في رواج تجارة المنسوجات.

وبهذا نقل الإسلام أمما وشعوبا كثيرة من الوحشية إلى الحضارة الراقية؛ أي: خذوا زينتكم عند المساجد وأداء العبادات {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} من الطيبات {وَلا تُسْرِفُوا} فيها بالتعدي إلى الحرام، أو بتحريم الحلال، أو بالإفراط في الطعام، بل عليكم بالاعتدال في جميع ذلك {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}؛ أي: لأن الله سبحانه وتعالى الخالق لهذه النعم لا يحب المسرفين؛ أي: لا يرتضي عنهم فعلهم، بل يعاقبهم على هذا الإسراف بمقدار ما ينشأ عنه من المضار والمفاسد؛ لأنهم قد خالفوا سنن الفطرة، وجنوا على أنفسهم في أبدانهم وأموالهم، وجنوا على أسرهم وأوطانهم إذ هم أعضاء في جسم الأسرة والأمة.

روى النسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة - كبر وإعجاب بالنفس - ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمه على عبده».

وعن ابن عباس أنه قال: كل ما شئت، واشرب ما شئت، والبس ما شئت إذا أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة. والإسراف تجاوز الحد في كل شيء، والحدود لها أقسام:

منها: طبيعي كالجوع والشبع، والظمأ والري، فمن أكل إذا أحس بالجوع، أو كف عن الأكل إذا شعر بالشبع، وإن كان يستلذ الاستزادة أو شرب إذا شعر بالظمأ، واكتفى بما يزيله، ولم يزد على ذلك .. لم يكن مسرفا في أكله وشربه، وكان طعامه وشرابه نافعين له.

ومنها: اقتصادي؛ وهو أن تكون النفقة على نسبة معينة من دخل الإنسان بحيث لا تستغرق كسبه.