وبما جاء به من الدين إيمانًا كاملًا كإيمانكم {لَكَانَ} ذلك الإيمان {خَيْرًا لَهُمْ} مما هم عليه من اليهودية والنصرانية، وإنما حملهم على ذلك حب الرياسة، واستتباع العوام، ولو أنهم آمنوا .. لحصلت لهم الرياسة في الدنيا، والثواب العظيم في الآخرة، وهو دخول الجنة، فكان ذلك خيرًا لهم مما قنعوا به {مِنْهُمُ}؛ أي: من أهل الكتاب {الْمُؤْمِنُونَ} بمحمد - صلى الله عليه وسلم - كعبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا من اليهود، والنجاشي، وأصحابه الذين أسلموا من النصارى {وَأَكْثَرُهُمُ}؛ أي: أكثر أهل الكتاب {الْفَاسِقُونَ} في أديانهم، فيكونون مردودين عند الطوائف كلهم؛ لأن المسلمين لا يقبلونهم لكفرهم، والكفار لا يقبلونهم، لكونهم فاسقين، فيما بينهم؛ فليسوا بمن يجب الاقتداء بهم ألبتة عند أحد من العقلاء
١١١ - {لَنْ يَضُرُّوكُمْ}؛ أي: لن يضركم أيها المؤمنون هؤلاء اليهود {إِلَّا أَذًى}؛ أي: إلا ضررًا يسيرًا باللسان، لا نكاية فيه، ولا إجحاف لكم إما بطعنهم في دينكم أو نبيكم، وإما بإظهار كلمة الكفر كقولهم عزير ابن الله، وإما بإلقاء الشبه في الأسماع، وإما بتخويف الضعفة من المسلمين فلا يصل إليكم منه شيء، وإنما هو مجرد لقلقة اللسان. قيل: سبب نزول هذه الآية أن رؤساء اليهود عمدوا إلى من آمن منهم مثل عبد الله بن سلام وأصحابه، فآذوهم لإسلامهم، فأنزل الله تعالى {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى}.
والمعنى: أن هؤلاء الفاسقين لا يقدرون على إيقاع الضرر عليكم، بل غاية جهدهم أن يؤذوكم بالهجو القبيح، والطعن في الدين، وإلقاء الشبهات، وتحريف النصوص التي في التوراة، والخوض في النبيّ - صلى الله عليه وسلم - {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ}؛ أي: وإن يقابلوكم في ميدان القتال {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ}؛ أي: يجعلوا أدبارهم وظهورهم مولى إلى جهتكم، وينهزموا من غير أن يظفروا منكم بشيء، والمنهزم من شأنه أن يحول ظهره إلى جهة مقاتله، ويستدبره في هربه منه، فيكون قفاه إلى وجه من انهزم منه {ثُمَّ} بعد انهزامهم من قتالكم {لَا يُنْصَرُونَ} عليكم أبدًا؛ أي: لا يجدون الشوكة والقوة والنصرة عليكم أبدًا ما داموا على فسقهم ودمتم على خيرتكم، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله.